إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَمْيَالِ الْقَرِيبَةِ لِأَنَّ مَا بَعُدَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَيُقَدِّمُ فِي الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ حُكَّامًا يَنْظُرُونَ لِلنَّاسِ فِي أَحْكَامِهِمْ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ انْتَهَى.
اُنْظُرْ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ إمَامٍ؟ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَارِزَ الْعَدُوَّ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيُبَارَزْ وَلْيُقَاتَلْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارِزَةٍ وَلَا قِتَالٍ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الِاسْتِئْذَانِ لَهُ لَا فِي طَاعَتِهِ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: فَوَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَعَاكَ إمَامٌ جَائِرٌ إلَى قَطْعِ يَدِ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ، إلَّا أَنْ تَعْلَمَ عَدَالَةَ الْبَيِّنَةِ فَعَلَيْك طَاعَتُهُ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُدُودُ. وَحَكَى الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ فِي ضَرْبِ مَنْ قِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَضْرِبْهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ضَرَبْتُ عُنُقَكَ.
قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَمِنْ هَذَا فُتْيَا ابْنِ عَرَفَةَ بِجَوَازِ الرَّفْعِ لِحُكَّامِ الْفَحْصِ فِي الرَّعْيِ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ فِي الزَّجْرِ مِنْ الْقُضَاةِ، لَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ بِسَطْوَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَظْلِمُ خَصْمَهُ.
اُنْظُرْ فِي الْمَدَارِكِ فِي رَسْمِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُدُودُ فَهُوَ فَرْعٌ إنْ أَتَى الْإِنْسَانُ لِإِمَامٍ غَيْرِ عَدْلٍ