بُدِئَ بِالْغَاصِبِ ".

(وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ) اللَّخْمِيِّ: لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَاهَا ثُمَّ سَكَنَ أَوْ اسْتَغَلَّ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ سِوَى غَلَّةِ الْقَاعَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا غَصَبَ خَرَابًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِإِصْلَاحِهِ فَأَصْلَحَ وَسَقَفَ وَرَّمَ ثُمَّ اسْتَغَلَّ قَالَ: لِلْمُسْتَحِقِّ جَمِيعُ الْغَلَّةِ وَكِرَاءُ مَا سَكَنَ وَلِلْغَاصِبِ قِيمَةُ مَا لَوْ نُزِعَ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ.

(كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ غَصَبَ مَرْكَبًا نَخِرًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بِإِصْلَاحِهِ فَعَمَّرَهُ وَرَجَّحَهُ بِجَوَانِحِهِ وَأَطْرَافِهِ ثُمَّ اغْتَلَّ غَلَّةً، كَانَ جَمِيعُ الْغَلَّةِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ إلَّا مِثْلُ طَيْرٍ أَوْ جَمَلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَرَجَّحَهُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا أَثْمَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ مِنْ شَجَرٍ أَوْ تَنَاسُلٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ جَزَّ مِنْ الصُّوفِ أَوْ حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا اغْتَصَبَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَمَا أَكَلَ رَدَّ الْمِثْلَ مَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا يُقْضَى بِمِثْلِهِ.

وَلَيْسَ لَهُ إتْبَاعُ الْمُسْتَحِقِّ بِمَا أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ أَوْ سَقَى أَوْ عَالَجَ أَوْ رَعَى، وَلَكِنْ لَهُ الْمُقَاصَّةُ بِذَلِكَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ غَلَّةٍ؛ لِأَنَّ عَنْ عَمَلِهِ تَكَوَّنَتْ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَجِيرَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ، وَإِنْ عَجَزَتْ الْغَلَّةُ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِشَيْءٍ.

وَقَالَهُ أَشْهَبُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: لَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا سَقَى أَوْ عَالَجَ أَوْ أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْغَلَّةِ.

وَقَالَهُ مَالِكٌ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: إذْ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ فَيُرَدُّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَرْكَبًا خَرِبًا فَأَنْفَقَ فِي قَلْفَطَتِهِ وَمَرَمَّتِهِ وَتَرْجِيحِهِ وَأَطْرَافِهِ وَجَوَانِحِهِ ثُمَّ اغْتَلَّ فِيهِ غَلَّةً كَثِيرَةً، فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مُقَلْفَطًا مَصْلُوحًا بِجَمِيعِ غَلَبَتِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلَ الصَّارِي وَالْأَرْجُلِ وَالْحِبَالِ.

وَمَا يُؤْخَذُ لَهُ ثَمَنٌ إذَا أُخِذَ فَلِلْغَاصِبِ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا غِنَى عَنْهُ إذْ لَا يَجِدُ صَارِيًا وَلَا أَرْجُلًا وَلَا أَحْبُلًا إلَّا هَذِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ لَا يُنَالُ حَمْلُهَا إلَيْهِ إلَّا بِالْمَشَقَّةِ وَالْمُؤْنَةِ الْعَظِيمَةِ وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِمَّا يَجْرِي بِهِ الْمَرْكَبُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ بِمَوْضِعِهِ كَيْفَمَا كَانَ أَوْ يُسْلِمَ ذَلِكَ إلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَا سَقَى أَوْ عَالَجَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَأْخُذُهُ كَالْمُسْتَحِقِّ حَتَّى يَدْفَعَ قِيمَةَ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْوَبُ.

(وَأَخَذَ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ وَمَرْكَبَهُ وَيَأْخُذَ مَعَهُمَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ إنْ قُلِعَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " كَمَرْكَبٍ " أَنَّ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ مَا لَوْ نُزِعَ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: كُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالْجِصِّ وَالنَّقْشِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ خَرَجَ مِمَّا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالصَّبْغِ وَالنَّقْضِ فِي الْبُنْيَانِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ عَلَى حَالِهِ كَالْبُقْعَةِ بَيْنَهُمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْمَغْصُوب مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِإِعَادَةِ الْبُقْعَةِ عَلَى حَالِهَا وَإِزَالَةِ مَا لَهُ فِيهَا مِنْ نَقْضٍ إنْ كَانَ فِيهَا نَقْضٌ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ مَا لَهُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ مَقْلُوعًا مَطْرُوحًا بِالْأَرْضِ، بَعْدَ أَجْرِ الْقَلْعِ. قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ الْمَوَّازِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015