أَرْضًا فَزَرَعَهَا، فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ أَوْ زَرَعَ بِنَفْسِهِ وَغُرْمُ مَا أَكْرَاهَا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُحَابِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَلَا انْتَفَعَ بِهَا وَلَا اغْتَلَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا اغْتَصَبَهُ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرَقَهُ فَاسْتَعْمَلَهَا شَهْرًا وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ أَوْ أَكْرَاهَا وَقَبَضَ كِرَاءَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي يَدِكَ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا أَوْ يَحْبِسُهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يَرْكَبْهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، أَوْ يَأْخُذُهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ. وَلَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ وَالسَّارِقُ وَالْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا قِيمَةٌ وَلَا كِرَاءٌ إذَا رَدَّهَا بِحَالِهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْلَا مَا قَالَهُ مَالِكٌ لَجَعَلْت عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ كِرَاءَ رُكُوبِهِ إيَّاهَا وَأُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا كَالْمُكْتَرِي وَلَكِنِّي آخُذُ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْفَرْقُ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الرَّقَبَةَ فَلَا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ لِضَمَانِهِ الرَّقَبَةَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْمَنَافِعِ فَضَمِنَهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَغْرَمُ غَلَّةَ مَا اسْتَغَلَّ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّبْعَ بِخِلَافِ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ يَبْقَى صُوفُ الْغَنَمِ وَلَبَنُهَا وَنَسْلُ الْحَيَوَانِ وَثَمَرُ الشَّجَرِ سَيَأْتِي حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ ". وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا مَا بَاضَ ".

(وَصَيْدُ عَبْدٍ وَجَارِحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا وَأَمَرَهُ بِالصَّيْدِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِرَبِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ آلَةً كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَرَسًا فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْآلَاتِ، وَإِنْ كَانَ جَارِحًا كَالْبَازِ وَالْكَلْبِ فَهُوَ يَلْحَقُ بِالْعَبْدِ؟ قَوْلَانِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى كَلْبِ رَجُلٍ أَوْ بَازِهِ فَيَصِيدُ بِهِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَحْمَلَهُ مَحْمَلُ الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى الْعَبْدِ فَيُرْسِلُهُ فَيَصِيدُ لَهُ؛ لِأَنَّ جُلَّ الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ لِلْبَازِ وَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُمَا هُمَا اتَّبَعَا الصَّيْدَ وَهُمَا أَخَذَاهُ، فَلَهُمَا سَبَبَانِ: الِاتِّبَاعُ وَالْأَخْذُ، وَلَيْسَ لِلْمُتَعَدِّي فِيهِ إلَّا التَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ مَا تُؤُوِّلَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ شَيْئَيْنِ انْتَهَى. فَانْظُرْ جَعْلَ ابْنُ رُشْدٍ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ إذَا تَعَدَّى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ بَازِهِ أَنَّ الصَّيْدَ لِرَبِّ الْعَبْدِ بِاتِّفَاقٍ وَلِرَبِّ الْكَلْبِ وَالْبَازِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْكَلْبِ وَالْبَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اُغْتُصِبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَاسْتَعْمَلَهَا أَوْ أَكْرَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ نَفْسَهُ اسْتَغَلَّ الْعَبْدَ أَوْ أَخَذَ كِرَاءَ الدَّارِ لَلَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ وَالْكِرَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ. وَانْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِلَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015