هَذَا فَلَا يَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْخَطَرَاتِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ وَلَا تُمْلَكُ لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ إلَّا مُقَاتِلٌ؛ مِنْهُمْ مَنْ الْقِتَالُ طَبِيعَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ احْتِسَابًا، فَأَيُّ هَؤُلَاءِ شَهِيدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُخْفِيهِ فَيَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَيُسِرُّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَهُ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» . انْتَهَى مِنْ ابْنِ رُشْدٍ.

التَّلْقِينُ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ. الدَّاوُدِيِّ: بَقِيَ الْجِهَادُ فَرْضًا بَعْدَ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَسَقَطَ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ. الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ.

وَفِي الْكَافِي: فَرَضَ عَلَى الْإِمَامِ إغْزَاءَ طَائِفَةٍ إلَى الْعَدُوِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُرَغِّبَهُمْ وَيَكُفَّ أَذَاهُمْ وَيُظْهِرَ دِينَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَفَرَضَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ الْخُرُوجَ الْمَذْكُورَ لَا خُرُوجَهُمْ كَافَّةً. وَالنَّافِلَةُ مِنْهُ إخْرَاجُ طَائِفَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَعْثُ السَّرَايَا وَقْتَ الْغُرَّةِ وَالْفُرْصَةِ.

ابْنُ بَشِيرٍ: الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ يَكْفِي فِيهِ قِيَامُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْإِمَامُ أَحَدًا. (وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْوُلَاةِ.

وَرَجَعَ مَالِكٌ عَنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ وَمَا صَنَعَ الرُّومُ بِغَارَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالْجِهَادِ مَعَهُمْ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ. ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِالْغَزْوِ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا الْخُمُسَ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يُوفُوا بِعَهْدٍ وَإِنْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا. وَقَالَهُ الصَّحَابَةُ حِينَ أَدْرَكُوا مِنْ الظُّلْمِ فَكُلُّهُمْ قَالَ: اُغْزُ مَعَهُمْ عَلَى حَظِّك مِنْ الْآخِرَةِ وَلَا تَفْعَلْ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ فَسَادٍ وَخِيَانَةٍ.

ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ فِي مُعَاوَنَةِ وُلَاةِ الْجَوْرِ فِي الْجِهَادِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْأَحْكَامِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَتَنْظُرُ مَنْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ هَلْ يُؤَدِّيهِ الدُّخُولُ فِيهِ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ مِمَّا يَدْعُو إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ، أَوْ يُؤَدِّيهِ تَرْكُهُ إلَى مَضَرَّةٍ تَطْرَأُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ.

أَصْلُ هَذَا تَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ خَوْفَ مَضَرَّةٍ أَشَدَّ. وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ خِيفَةً عَلَى اعْتِقَادِ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِيمَانُ فِي صَدْرِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَقْضِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ " وَانْظُرْ اسْمَ الدَّاوُدِيُّ فِي الْمَدَارِكِ حِينَ عَتَبَ عَلَى عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ إقَامَتَهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِ بَنِي عُبَيْدٍ فَقَالُوا لَهُ: اُسْكُتْ لَا شَيْخَ لَك. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى هَدْمِ سُوَرِ عَسْقَلَانَ وَهَدْمِ سُوَرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ لَا يَطْمَعَ الْعَدُوُّ فِيهِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ الضَّعْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَعُودَ لِلْعَدُوِّ لِاجْتِمَاعِ الضَّرَرِ

وَلِلْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ

، وَقَدْ كَانَ عُمْرُهُمْ بِهَدْمِ الْمِصِّيصَةِ وَبِإِخْلَاءِ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ، وَأَصْلُ هَذَا أَيْضًا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي خَرْقِ الْخَضِرِ السَّفِينَةَ، وَقَدْ كُنْت أَفْتَيْت بِهَدْمِ جَبَلِ الْفَتْحِ قَبْلَ أَخْذِهِ الْعَدُوَّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهَدْمِ سُورِ الْمُتِلَّيْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015