كان من العلماء الراسخين، والعباد الزاهدين، له اليد الطولى في علم التفسير، والحديث، والفقه، والأصلين، وغيرها، له صبر على طول مجلس التدريس، ولا يترك في جلسته استقبال القبلة، وكان لمنطقه حلاوة، وعلى عبارته طلاوة، وكان يطوف في أيام مجاورة مكة في أثناء الليل والمطافُ خالٍ عن كثرة الطائفين، فلما قَبَّلَ الحجرَ الأسودَ، لصقَتْ شفتُه به، ولم يقدر على فكاكها، وبقي مستسلمًا لذلك، حتى جاء طائف مرادُه تقبيلُ الحجر، ففكَّه. ومن مشايخه السيد العلامة يحيى بن عمر، قرأ عليه التفاسير الكبار، ومن كتب الحديث الشيء الواسعَ جدًا، وكان السيد يحيى من الدعاة إلى الترغيب في الإقبال على التفسير والحديث، وتفهُّم معاني الكتاب والسنة، والتفقُّه في ذلك، والعمل بما صح به الدليل، حتى إن بعض الفروعيين بسبب هذا الشأن كان يقول فيه: خرج عن المذهب، والسيد يبلغه ذلك، ولا يصغي لقول قائل، ولا يرعوي لعذل عاذل، ولسان حاله ينشد:
إذا اختارَ جُلُّ الناسِ في الدينِ مذهبًا ... وصَيَّرَه رأيًا وحَقَّقَهُ فِعْلا
فإني أرى علمَ الحديثِ وفعلَه ... أحقَّ اتباعًا بل أسدَّهم سُبْلا
ورأيَهم أَوْلى وأعلى لكونِهم ... يَؤُمُّون ما قالَ الرسولُ وما أملى
ولقد أذكرني هذا قولَ بعضهم:
إن شئتَ أَنْ تسعدَ بينَ الورَى ... وَلا تَرَى هَمًّا ولامَتْعَبَهْ
فعاشرِ الناسَ على حالِهم ... واتركْ لكلًّ منهمُ مَذْهَبَهْ
وله مشايخ جمة، قال أبو علي الثقفي: لو أن رجلًا فهمَ العلوم كلَّها بالمطالعة، لا يبلغ مبلغَ الرجال إلا بالتعليم والتأدب من شيخ ناصح راسخ:
أَمُدَّعيًا علمًا وليسَ بقارىءٍ ... كتابًا على شيخٍ بهِ يَسْهُلُ الحَزْنُ
أتزعمُ أن الذهنَ يوضحُ مُشْكِلًا ... بِلا مخبرٍ، تاللهِ قَدْ كذبَ الذهنُ
وإنَّ ابتغاءَ العلمِ دونَ معلِّمٍ ... كموقدِ مصباحٍ وليسَ له دُهْنُ