"تنبيه المغترين" (?) ما نصه، ومن أخلاق السلف الصالح - رضي الله عنهم -، ملازمةُ الكتاب والسنة كلزوم الظل للشاخص، ولا يتصدر أحدُهم للإرشاد إلا بعد تبحُّره في علوم السنة المطهرة؛ بحيث يطلع على جميع أدلة المذاهب المندرسة والمستعملة، ويصير يقطع العلماء في مجالس المناظرة بالحجج القاطعة الراجحة الواضحة، وكتب القوم مشحونة بذلك كما يظهر من أقوالهم وأفعالهم.
وقد كان سيد الطائفة جُنيدٌ البغداديُّ، يقول: طريقتنا مشيدة بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن، ويحفظ السنة، ويفهم معانيها، لا يصح الاقتداء به، انتهى.
قال: وهذا الخلق قد صار غريبًا في فقراء هذا الزمان، فصار أحدهم يجتمع بمن ليس له قدم في الطريق، ويتلقف منه كلمات في البقاء والفناء، والشطح؛ مما لا يشهد له كتاب ولا سنة، ثم يلبس له جبة، ويرخي له عذبة، ثم يسافر إلى بلاد الروم مثلًا، ويظهر الصمت والجوع، فيطلب له مرتبًا أو مسموحًا، ويتوسل في ذلك بالوزراء والأمراء، فربما رتبوا له شيئًا، فيصير يأكله حرامًا في بطنه؛ لكونه أخذ بنوع تلبيس على الولاة واعتقادهم في الصلاح، وكان شيخنا عليٌّ الخواص يقول: إن طريق القوم - رضي الله عنهم - محررة على الكتاب والسنة، تحريرَ الذهب والجوهر، وذلك لأن لهم في كل حركة وسكون نية صالحة موزونة في ميزان السنة، ولا يعرف ذلك إلا من تبحر في علوم الشريعة، انتهى.
قال: ومن أخلاقهم: توقفُهم عن كل قول أو فعل حتى يعرفوا ميزانه على الكتاب والسنة، فعلم أن القوم لا يكتفون في أقوالهم وأفعالهم بمجرد عمل الناس بها؛ لاحتمال أن يكون ذلك القول أو الفعل من جملة البِدع التي لا يشهد لها كتاب ولا سنة.
وفي الحديث: "لا تقوم الساعة حتى تصير السنة بدعة": فإذا تُركت البدعة، يقول الناس: تركت السنة، وذلك لتوارث الفروع البدع عن أصولهم، فلما طال