الإفتاء والتدريس، وتصدى لنشر الحديث، وقصر نفسه عليه مطالعةً وقراءة وإقراءً وتصنيفًا، وشهد له أعيان شيوخه بالحفظ، وزادت تصانيفه التي انتهى معظمها في فنون الحديث، وفنون الأدب، والفقه، وغير ذلك على مئة وخمسين تصنيفًا، ورزق فيها السعد والقبول، خصوصًا "فتح الباري في شرح البخاري" الذي لم يسبق لنظيره، وقد بيع بثلاث مئة دينار، وله النظم (?) البليغ الذي أفحم الشعراء، والخطب البليغة، انتهى.
قال الشوكاني في "البدر الطالع" في ترجمته: نقل عنه: أنه قال: لست راضيًا عن شيء من تصانيفي؛ لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيأ لي من يحررها معي سوى "شرح البخاري"، ومقدمته، و"المشتبه"، و"التهذيب"، و"لسان الميزان. وروي عنه في موضع آخر: أنه أثنى على "شرح البخاري"، و"التعليق" و"النخبة"، ولا ريب أن أجل مصنفاته "فتح الباري"، وكان تصنيفه على طريق الإملاء، ثم صار يكتب من خطه مداولة بين الطلبة شيئًا فشيئًا، والاجتماع في يوم من الأسبوع للمقابلة والمباحثة إلى أن انتهى في سنة 842، سوى ما ألحق فيه بعد ذلك، وقد سبقه إلى هذه التسمية شيخه صاحبُ "القاموس"؛ فإنه وجد له في أسماء مصنفاته أن من جملتها "فتح الباري في شرح صحيح البخاري"، وأنه كمل ربعه في عشرين مجلدًا، انتهى. ثم قال في "البدر الطالع": ولما كمل "شرح البخاري" تصنيفًا وقراءة، عمل مصنفُه - رحمه الله تعالى - وليمةً عظيمة، وقرأ المجلس الأخير، وجلس المصنف على الكرسي. قال تلميذه السخاوي: وكان يومًا مشهودًا لم يعهد أهل العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء، وقال الشعراء في ذلك فأكثروا، وفرق عليهم الذهب،