ويعود إلى مكة، وآخر ما وقع منه ذلك في سنة 1212، فإنه جمع جيشًا كبيرًا، وغزا نجدًا، وأوقع ببعض البلاد الراجعة إلى سلطان نجد المذكور، فلم يشعر إلا وقد دهمه جيش لا طاقة له به، أرسله صاحب نجد، فهزمه، واستولى على غالب جيشه قتلاً وأسرًا، بل جاءت الأخبار بأنه لم يسلم من جيش الشريف إلا طائفة يسيرة، وقتل جماعة من أشراف مكة في المعركة، وتمت الهزيمة إلى مكة، ولو ترك ذلك، واشتغل بغيره، لكان أولى له، شعر:
فإنَّ مَنْ حاربَ مَنْ لا يقوى ... لحربِهِ جَرَّ إليه البلوى
فإن صاحبَ نجد تبلغ عنه قوة عظيمة، لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة - يعني: شريف مكة -، فقد سمعنا أنه قد استولى على بلاد الحسا، والقطيف، وبلاد الدواسر، وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزته، أقام الصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبُهم، إما رغبةً، وإما رهبةً، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئًا، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين، على ما في لفظهم بهما [من] عوج.
وبالجملة: فكانوا جاهلية جهلاء كما تواتر بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها، ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد، وممتثلاً لأوامره، خارجٌ عن الإسلام، ولقد أخبرني أمير حجاج اليمن - السيد محمد بن حسين المراجل الكبسي -: أن جماعة منهم خاطبوه هو ومن معه من حجاج اليمن، بأنهم كفار، وأنهم غير معذورين عن الوصول إليه لينظر في إسلامهم، فما تخلصوا منهم إلا بجهد جهيد، وقد صارت جيوش صاحب نجد في بلاد يام، وفي بلاد السراة المجاورة لبلاد أبي عريش ومن تبعه من هذه الأجناس، اغتبط بمتابعته، وقاتل من يجاوره من الخارجين عن طاعته.
فبهذا السبب صار معظم تلك البلاد راجعة إليه، وتبلغنا عنهم أخبار، الله