بالأندلس ومصر والإسكندرية ودمشق من جماعة من الحفاظ، وكان ثاقب الذهن، ذكره ابن بشكوال في "الصلة"، وقال: الإمام الحافظُ، ختامُ علماء الأندلس، دخل الشام والعراق وبغداد، وسمع بها من كبار العلماء، ثم حج، ولما غرب، صنف "عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي"، وولي القضاء بإشبيلية، مولده سنة 468، وتوفي سنة 543، سمع ودرَّس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن، والتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى أوذي في ذلك بذهاب كتبه وماله، فأحسن الصبر على ذلك كله، روى عنه خلق كثير، منهم: القاضي عياض، ترجم له المَقَّري ترجمةً حافلة حسنة، وقال: كنت نقلت من "المطمح" في حقه ما صورته: علمُ الأعلام، الطاهرُ الأثواب، الباهرُ الأبواب، الذي أنسى ذكاءَ إياس، وترك التقليد للقياس، وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في الإسلام أمضى من النصل، ومن تصانيفه: كتاب "القبس في شرح موطأ ومالك بن أنس"، وكتاب "ترتيب المسالك في شرح موطأ مالك"، وكتاب "أحكام القرآن"، وكتاب "مشكل الكتاب والسنة"، وكتاب "النيرين في الصحيحين"، وكتاب "الرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد". ومن فوائده: قوله: قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث إلا كان على وجهه نضرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سمعَ مقالتي، فوعاها فأداها، كما سمعها" الحديث، قال: وهذا دعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لحملة علمه، ولا بد - بفضل الله تعالى - من نيل بركته، انتهى. وإلى هذه النضرة أشار أبو العباس العزفي بقوله:
أهلُ الحديثِ عصابةُ الحق ... فازوا بدعوةِ سَيَّدِ الخَلْقِ
فوجوهُهم زُهْرٌ مُنَضَّرَةٌ ... لألاؤُها كتألُّقِ البرقِ
يا ليتني معهم! فيُدرِكَني ... ما أَدركوهُ بها من السَّبْقِ
ومن فوائده: قوله: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري حديثَ أبي ثعلبة (?) المرفوع: "إن من ورائكم أيامًا للعامل فيها أجرُ خمسين