إلى أصبهان، وسمع بها ما لا يوصف كثرة؛ وكتب بخطه الكثير من الكتب الكبار وغيرها، ويقال: إنه كتب [عن] أزيدَ من خمس مئة شيخ، وحصَّل أصولاً كثيرة، وأقام بهراةَ ومرو مدةً، وله إجازة من السِّلفي. قال ابن النجار: كتبتُ عنه، وهو حافظ متقن ثبت ثقة صدوق، نبيل حجة، عالم بالحديث وأحوال الرجال، له مجموعات وتخريجات، وهو محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله، ولَعمري! ما رأت عيناي مثله.
أثنى عليه جمع جم من الحفاظ، منهم: عمر بن الحاجب، قال: رأيت جماعة من المحدثين ذكروه، فأطنبوا في حقه، ومدحوه بالحفظ والزهد، ومنهم: البرزالي، وابن النابلسي، والصريفيني. ونقل الذهبي عن المزي: أنه قال: كان أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني، ولم يكن في وقته مثله. وقال الذهبي: الإمامُ العالمُ الحافظُ، محدث الشام، شيخ السنة، ضياءُ الدين، صنف وصحَّح، ولَيَّنَ ورجَّح وعدَّل، وكان الرجوع إليه في هذا الشأن.
وقال الشريف أبو العباس: كان أحدَ أئمة هذا الشأن، عارفًا بالرجال وأحوالهم، والحديث صحيحِه وسقيمِه، انتهى. بنى مدرسة للمحدِّثين، والغرباء الواردين مع الفقر والقلة، ويعمل فيها بنفسه، ولم يقبل من أحد فيها شيئًا، ومناقبه أكثر من أن تحصر.
ومن مؤلفاته: كتاب "الأحاديث المختارة". قال ابن رجب: وهي الأحاديث التي يصلح أن يحتج بها سوى ما في "الصحيحين"، خرجها من مسموعاته، كتب منها تسعين جزءًا ولم تكمل. قال بعض الأئمة: هي خير من "صحيح الحاكم"، وله كتاب "مناقب أصحاب الحديث" أربعة أجزاء، وأطراف الموضوعات لابن الجوزي، وجزء في الاستدراك على الحافظ عبد الغني، وجزء "الأمر باتباع السنن واجتناب البدع"، إلى غير ذلك مما لا يحصى، توفي - رحمه الله - سنة 643، ودفن بسفح قاسيون.