ووقع في بعض الكتب أمن جلسائك، والمعنى في ذلك إعلامهم إياه أنهم يحفظونهم لمجالستهم إياه، فهم آمنون، ومعنى أمن؟ في داخل الكتاب الاستفهام في الرجل هل هو من جلسائك فيحفظونه من أهل السفه كما يحفظونه وجلساءه، وبالله التوفيق.

[التورع عن العطاء]

في التورع عن العطاء قال مالك: قد كان رجال ببلدنا هذا من أهل الفضل والعبادة يردون العطية يعطونها، حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه، يعني بذلك إذا كان يرى أن له عنها غنى.

قال محمد بن رشد: يريد بالعطية العطية من بيت المال، والله أعلم.

وفي قوله: حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه نظر؛ لأن الذي يرد العطية ولا يؤامر نفسه في ذلك أزهد فيها من الذي يؤامر نفسه في أخذها أو ردها، وحتى غاية تدل على أنه أراد أن منهم من يربي في الزهادة والعبادة على الذين يردونها ولا يقبلونها، فكان وجه الكلام أن يقول، حتى إن كان بعضهم لا يؤامر نفسه في قبولها فيردها، وإن كان يرى أنه لا غنى به عنها.

وردهم إياها يحتمل أن يكون زهادة فيها مع جواز أخذها لهم لا كراهة فيها إذا كان المجبى حلالا، وقسم بوجه الاجتهاد دون مأثرة ومحابات، وهذا نهاية في الزهد والفضل؛ لأنه يترك حقه الجائز له أخذه ويؤثر فيه غيره ممن يعطاه، وإن كانت به حاجة إليه، فمن فعل ذلك كان من الصنف الذين أثنى الله تبارك وتعالى عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وإن كان المجبى حلالا ولم يعدل في قسمته فمن أهل العلم من يكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015