أشهب عنه في كتاب محمد أن للجد الاعتصار، قال: لأنه يقع عليه اسم أب. ووجه القول الأول أن الهبة قد انتقلت إلى ملك الموهوب له، فلا تخرج عن ملكه بيقين، وهو الأب الذي ورد فيه النص، والاعتصار لا يكون في الصدقات إلا بشرط، وإنما يكون في العطايا، من النحل، والهبات، وشبهها. واختلف إذا وهب، فقال في هبته: لله، أو لوجه الله، أو لطلب الأجر والثواب من الله، فقيل: إنه ليس له أن يعتصر ذلك إلا بشرط، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: له أن يعتصر وإن لم يشترط العصرة ما لم يسمها صدقة، وهو قول مطرف. وسيأتي ذلك في نوازل سحنون، وبالله التوفيق.
مسألة وعن الرجل البائن من أبيه الذي له المال، الناقد التاجر، الذي ليس بمولى عليه في شيء من أموره نحله أبوه نحلة، ثم تزوج بعد ذلك، وهو ممن لا يزوج لتلك النحلة فيما يرى الناس، هل لأبيه أن يعتصر تلك العطية؟
قال ابن القاسم: نعم، له أن يعتصرها ما لم يأت من ذلك ما يكون عليه زيادة كبيرة، ويعلم أنه إنما زوج بذلك، فأما الرجل صاحب ألف دينار، ينحله أبوه العبد، أو يهبه له ثمن العشرين دينارا أو الثلاثين، وما أشبهه من الأشياء ثم يتزوج، فيريد أن يعتصره أبوه، فهذا لأي منح منه؛ لأنه يعلم أنه لم يزوج لمكان هذا العبد، وإنما لغناه.
قال محمد بن رشد: قد تقدم ذكر الاختلاف في أثناء هذه المسألة التي قبلها، وهذا القول أظهر؛ لأن الأصل وجوب العصرة للأب إلا أن يمنع من ذلك مانع، من حق زوج، أو غريم، أو وارث، وما أشبه ذلك من المعاني القاطعة للاعتصار. وبالله التوفيق.