يكن له أن يرجع عنه، إلا أن يتصدق به، وهو بظنه يسيرا فينكشف له أنه كثير، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على ما قاله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ، ولا نص خلاف في ذلك، أن جوازه بين في الموطأ ويدخل في ذلك الخلاف على ما حكيته عن بعض أهل النظر، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: الجواز في الصحة والمرض، وعدم الجواز فيهما، والفرق بينهما. وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات.
وأما إذا وهب ميراثه من أبيه بعد أن مات أبوه، فذلك جائز باتفاق، وإن كان لا يعرف قدره؛ لأن هبة المجهول جائز، قال في المدونة: وإن لم يدرك كنه مورثه إن كان سدسا أو ربعا أو خمسا. ومثله لأشهب في كتاب ابن المواز. وقال محمد بن عبد الحكم: تجوز هبة المجهول، وإن ظهر له أنها كثيرة بعد ذلك. وقول محمد بن عبد الحكم خلاف قول ابن القاسم في رسم الأقضية، والحبس من سماع أصبغ، إذ لا فرق في الصحيح من التأويل بين أن يهبه في مرض أبيه أو بعد موته، وقد قال بعض المتأخرين على معنى ما في المدونة: إنه إذا عرف قدر الميراث فالهبة جائزة، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث، فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وهذا غير صحيح، لا فرق في حقيقة القياس، بين أن يجهل قدر المال أو قدر نصيبه منه، إذا جهله جملة ينبغي أن يجوز في الوجهين جميعا، إلا أن يكون ظن أن ذلك أقل مما انكشف في الوجهين، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على قول ابن القاسم، ويلزمه على قول محمد بن عبد الحكم.
وأما إن شك فيها بين الجزأين، مثل أن يكون الزوج لا يدري إن كان يرث النصف أو الربع، فيكون للتفرقة بين ذلك وبين الذي يجعل قدر المال وجه، وهو أن الذي يشك فيما بين الجزأين، قد رضي بهبة أكثرهما، فوجب أن يلزمه، وبالله التوفيق.