أخيه؛ لأن الأصل في ذلك واحد، فلم يعذره بالزحام ولا بالمرض الذي أصابه من قدح عينيه؛ لأنه هو الذي أدخل ذلك على نفسه باختياره، ولو شاء لم يفعل، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يجوز له أن يقدح عينيه ويصلي على قدر طاقته من الإيماء، وتجزئه صلاته؛ وهو قول جابر بن زيد من تابعي أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذا في هذا السماع، ووجه ذلك القياس على ما أجمعوا عليه من أن للرجل أن يسافر- وإن علم أنه يعدم الماء في سفره فينتقل إلى التيمم، فكما يجوز له أن يسافر وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الوضوء إلى التيمم، فكذلك يجوز له أن يقدح عينيه وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الركوع والسجود إلى الإيماء.
والفرق بين الموضعين على القول الأول، هو أن التيمم بدل من الوضوء عند عدم الماء بنص القرآن، وليس الإيماء ببدل من الركوع والسجود؛ لأنه إذا أومأ فيهما فقد أتى ببعض الانحطاط إليهما، وترك تمامهما دون أن يأتي لما ترك من تمامها ببدل؛ فماله بدل إذا عجز عنه وجب عليه بدله، وما ليس له بدل- إذا عجز عنه سقط وبرئت منه ذمته؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . فجاز فيما له بدل أن يفعل ما يضطره إلى البدل، وعلى هذا أجاز مالك لصاحب الحقن الشديد أن يفطر، ويتداوى إذا ألجأ إلى ذلك- وإن كان قادرا على الصيام وترك التداوي دون مرض يصيبه في ذلك- والله أعلم؛ ولم يجز فيما لا بدل له أن يفعل ما يضطره إلى ترك الفرض جملة، فهذا وجه القول الأول.
مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يصلي على العذرة اليابسة أو الدم اليابس أو المكان القذر، مثل المزابل ونحوها - ولا يشعر، ثم يعلم