حتى بلغ ستين سنة لم يحج.
فقال: إذا تطاول أمره هكذا، أو ما أشبه هذا، فإني أرى شهادته غير جائزة كما أعلمتك، قيل له: أفلا يعذر بالأندلس وبعد الشقة والبحر الذي بينهم وبين الحج؟ فقال: لا، قال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ، وهذا إذا كان في موضع يبعد عن الحج، أفلا يرتحل عنها إلى موضع لا يكون بينه وبين الحج بحر، فلا أرى له عذرا، وإن كان بالأندلس.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحج من أحد دعائم الإسلام الخمس، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا» ، فإذا ترك الرجل الحج حتى طال زمانه الستين سنة ونحوها، وهو قادر عليه بوفور ماله وصحة بدنه مع السبيل الآمنة، وجب أن ترد بذلك شهادته، وإنما شرط الطول في ذلك مع القدرة لاختلاف أهل العلم في الحج هل هو على الفور أم في التراخي، فلا يكون من أخر الحج وهو قادر عليه قد أتى كبيرة؛ إذ من أهل العلم من يقول: إن ذلك جائز له، لا إثم عليه فيه، ولا حرج إلا أن يؤخره تأخيرا كبيرا يغلب على الظن فواته به، والذي أقول به: إن ذلك لا يكون إلا بعد بلوغ حد التعمير، وهو سبعون سنة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «معترك أمتي ما بين الستين إلى السبعين» فمن ترك الحج بعد السبعين، وهو قادر عليه، فهو عندي