فإن هذا يرد ويفسخ على كل حال، وهو في غير هذا يختلف؛ لأن إقراره عنده وهو قاض قد اختلف الناس فيه، والآخر لم يختلف الناس فيه، إنه ليس بشيء ولا يقطع به.
قال محمد بن رشد: حكم القاضي على الرجل بما أقر به عنده دون بينة تشهد عليه بإقراره عنده، ينقسم على ثلاثة أقسام: أحدها أن يقر عنده قبل أن يستقضي. والثاني أن يقر عنده في غير مجلس الحكم بعد أن استقضى. والثالث أن يقر بين يديه لخصمه في مجلس حكمه، فأما إذا أقر عنده قبل أن يستقضي فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أنه لا يجوز له أن يحكم عليه بذلك الإقرار، فإن فعل رد ذلك الحكم وفسخه هو ومن بعده من القضاة والحكام، وأما ما أقر به عنده بعد أن يستقضي في غير مجلس القضاء فلا اختلاف في المذهب في أنه لا يجوز له أن يحكم عليه بذلك الإقرار دون بينة تشهد به عليه. وأهل العراق يقولون إنه يقضي عليه بذلك الإقرار دون بينة، بخلاف الحدود على ما قال في المدونة من أن أهل العراق فرقوا بين الإقرار والحدود، فقالوا: ينفذ الإقرار في ولايته، ولا ينفذ الحدود، وقد حكى عنهم أنه يقضي بعلمه في الحدود وهو بعيد، فإن قضى عليه بذلك الإقرار نقض حكمه بذلك ما لم يعزل على المشهور في المذهب، ولم يرده من بعده من القضاة والحكام مراعاة لقول أهل العراق. وأما ما أقر به عنه أحد الخصمين في مجلس قضائه ثم جحده ولا بينة عليه فالاختلاف فيه موجود في المذهب، وإن كان ابن المواز قد ذكر أنه لا اختلاف في ذلك بين أصحاب مالك. قال ابن الماجشون: الذي عليه قضاتنا بالمدينة، وقاله علماؤنا، ولا أعلم مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال غيره، أنه يقضي عليه بما سمع منه وأقر به عنده، وإليه ذهب مطرف وأصبغ وسحنون.