قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الحنطة التي أعطى في نصف الدرهم إنما هي سلف منه له، فهو يجوز له أن يأخذ منه فيها ما شاء من الفلوس أو العروض أو الطعام المخالف للحنطة، فإن أخذ منه طعاما من صنف الحنطة، فلا يأخذ إلا مثل كيلها، وبالله التوفيق.
ومن كتاب قطع الشجر وسئل عن الخلالة تجمع على النصف، فكره ذلك، ونهى عنه وقال: هذا غرر لا يدري كم ذلك، ولا ما هو؛ لأنه لا يراه ولا يعرفه، وليس هذا مثل الزرع والثمر الذي ينظر إليه، فيقول: ما حصدت من شيء أو جنيته فلك ربعه. والخلالة ما سقط من التمر، ووجد بين الكرانيف والسعف، فهو يخرج ويجمع ويسقط فيه تمر، وهذا الباب والباب الأول مختلف.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن ما لا يجوز بيعه فلا يجوز الاستئجار عليه بالجزء منه، ولا المجاعلة عليه بجزء منه، ولا إشكال في أن بيعه لا يجوز؛ إذ لا يحاط بقدره لاختفائه بين الكرانيف والسعف، فهو من بيع الغرر، فكذلك الاستئجار عليه بجزء منه، والمجاعلة عليه بجزء منه؛ إذ من شرط صحة المجاعلة أن يكون الجعل فيها معلوما.
فإن قيل: أليس يجوز أن يقول الرجل للرجل ما اقتضيت من مالي الذي لي على فلان، فلك نصفه أو ثلثه، ولا يسمي مبلغه؟ فإذا جاز أن يقتضي الدين على جزء منه مع الجهل بمبلغه جاز أن تجمع الخلالة على الجزء منها مع الجهل بمبلغها. قيل له: الدين وإن لم يعلم مبلغه عند المجاعلة على اقتضائه بجزء منه لغيبة ذكر الحق عنهما حينئذ، وما أشبه ذلك، فهو لا