على مذهب من يرى من أصحاب مالك أن من أحدث في ملكه إطلاعا على جاره لا يقضى عليه بسده، ويقال لجاره: استر على نفسك في ملكك. والفرق بين الموضعين على مذهبهم أن المنار ليس بملك للمؤذن، وإنما يصعد فيه ابتغاء الخير والثواب، والاطلاع على حرم الناس محظور، ولا يحل الدخول في نافلة من الخير بمعصية، وسواء كانت الدور على القرب أو البعد إلا أن يكون البعد الكثير الذي لا يستبين معه الأشخاص والهيئات ولا الذكران من الإناث، فلا يعتبر الاطلاع معه، وقد كان بعض الشيوخ يستدل على هذا بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس» .
مسألة وسئل عن المساجد التي تكون بالمدينة، أيجمع فيها بين الصلاتين في الليلة المطيرة؟ قال: لا أدري ما فيه، فأما مسجدنا هذا فنجمع فيه بين الصلاتين، فقيل له: إن عندنا بمصر وبرقة مساجد سوى المسجد الجامع تجمع فيه الصلوات، فتكون الليلة المطيرة فيجمع فيها بين الصلاتين، فقال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس، وليس مساجد المدينة كهيئة مساجد الأمصار.
قال محمد بن رشد: ضعف الجمع بالمدينة فيما سوى مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المساجد، ولم يرها في الجمع كمساجد سائر الأمصار. ووجه الفرق في ذلك بين مساجد المدينة ومساجد الأمصار أن لمسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة فضل متيقن معلوم على سائر المساجد بالمدينة، وليس للمسجد