قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من بنى مسجدا بقرب مسجد آخر ليضار به أهل المسجد الأول ويفرق به جماعتهم فهو من أعظم الضرر؛ لأن الإضرار فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس والمال، لا سيما في المسجد المتخذ للصلاة التي هي عماد الدين، وقد أنزل الله تعالى في ذلك ما أنزل من قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: 107] ، إلى قوله: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] ، وقوله: إنما القول أبدا في الآخر من المسجدين صحيح؛ لأنه هو الذي يجب أن ينظر فيه، فإن ثبت على بانيه أنه قصد الإضرار وتفريق الجماعة لا وجها من وجوه البر وجب أن يحرق ويهدم ويترك مطرحا للزبول، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمسجد الضرار، وإن ثبت أن إقراره مضر بأهل المسجد الأول ولم يثبت على بانيه أنه قصد إلى ذلك وادعى أنه أراد به القربة، لم يهدم وترك معطلا لا يصلى فيه إلا أن يحتاج إلى الصلاة فيه بأن يكثر أهل الموضع أو ينهدم المسجد الأول، وبالله التوفيق.
مسألة قيل لسحنون: فالمسجد يجعل فيه المنار، فإذا صعد المؤذن فيها عاين ما في الدور التي تجاور المسجد، فيريد أهل الدور منع المؤذنين من الصعود فيها، وربما كانت بعض الدور على البعد من المسجد يكون بينهم الفناء الواسع والسكة الواسعة، قال: يمنع من الصعود فيها والرقي عليها؛ لأن هذا من الضرر، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرار.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهب مالك في أن الاطلاع من الضرر البين الذي يجب القضاء بقطعه، وكذلك يجب عندي