ثم استقال صاحبه، فأبى أن يقيله إلا أن يسلفه عشرة دنانير إلى أبعد من الأجل، أو إلى دون الأجل؛ قال: لا خير فيه، ويدخله بيع وسلف؛ فإن كان إلى الأجل بعينه، فإن ناسا يجيزونه، وناسا يكرهونه؛ وقد كان مالك يتقيه، وأنا أكرهه وأتقيه ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة دنانير حالة، أو إلى دون الأجل، أو إلى أبعد من الأجل، أو أقل من عشرة، أو أكثر؛ فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، ولا إشكال في وجه الفساد فيه؛ لأنه بيع وسلف عن ظهر يد، فهو صريح البيع والسلف، وفي قوله إنه يدخله بيع وسلف نظر، إذ لا يقال إن هذا الفعل يدخله بيع وسلف، إلا إذا كان ظاهره الصحة ولم يصرح فيه بالبيع والسلف؛ إلا أن ذلك يؤخذ فيه بالاعتبار مثل أن يبيع الرجل سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم يقيله منها على أن يزيده المبتاع دينارا نقدا أو إلى أبعد من الأجل؛ وأما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة إلى الأجل بعينه، فأجازه أشهب وحمله لما رجعت إليه سلعة بعينها، كأنه اشتراها منه بالعشرة التي دفع إليه؛ فإذا حل الأجل، أخذ منه العشرة التي كان باع بها منه السلعة، وكان ذكر السلف لغوا؛ ومن كرهه اعتبر فساد اللفظ وراعاه؛ وقول أشهب أظهر؛ لأن الفعل إذا كان مستقيما لم ينظر إلى قبيح اللفظ، وهو نص قول مالك في المدونة، وبالله التوفيق.
ومن كتاب أوله يدير ماله وقال فيمن باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا، وستة إلى ذلك الشهر. قال لا بأس به؛ لأنه إذا كان الشهر قاصه بستة من العشرة التي له عليه، واسترجع منه أربعة، فليس في هذا تهمة أن يعطي خمسة ويأخذ أربعة، ولو كان باعها بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا وبستة إلى شهر، لم يكن فيه خير، إلا أن يكونا في مجلسهما ذلك