بدليل توجه الخطاب إليه في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وفيما روي أن منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينادي إذا أقيمت الصلاة: «لا يقربن الصلاة سكران» ، وهو قول ابن نافع في الكتاب: أرى أن يجاز عليه كل ما فعله من البيع وغيره، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
وقيل: إنما يلزمه ما يلزم الصحيح من أجل أنه هو أدخل السكر على نفسه، وليس بتعليل صحيح، وقيل: إنما يلزمه ما يلزم الصحيح؛ لأنه غير مستحق لاسم السكر؛ لأن السكران هو الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، قال ذلك أبو حنيفة، وهو بعيد لأن اسم السكر واقع عليه بدليل ما ذكرناه من القرآن والسنة.
والثالث أنه يلزمه الأفعال ولا تلزمه الأقوال، فيقتل بمن قتل ويحد في الزنى والسرقة، ولا يحد في القذف، ولا يلزمه طلاق ولا عتق، وهو قول الليث بن سعد، والرابع أنه تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود، ولا يلزمه الإقرارات والعقود، وهو مذهب مالك وعامة أصحابه، وأظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن ما لا يتعلق به لله حق من الإقرارات والعقود إذا لم يلزم الصبي والسفيه لنقصان عقولهما فأحرى أن لا يلزم ذلك السكران لنقصان عقله بالسكر، وما سوى ذلك مما يتعلق لله به حق، يلزمه ولا يسقط عنه قياسا على ما أجمعوا عليه من أن العبادات التي هي حق الله من الصوم والصلاة وأشباههما تلزمه ولا تسقط عنه بالسكر، وقول مالك في أول المسألة في نكاح السكران: لا أراه جائزا، ليس معناه أنه عقد فاسد غير جائز، وإنما معناه: لا أراه جائزا عليه ولا لازما له، إن أراد الرجوع فيه وادعى أنه لم يعرف قدر ما عقده من ذلك على نفسه من أجل سكره، وذلك إذا أقر له بما ادعاه من ذلك منازعه وخصمه، وأما إن كان أنكره فلا يصدق ويلزمه النكاح إلا أن تكون له بينة أنه كان سكران لا يعقل.
واختلف إن قالت البينة: إنها رأت منه اختلاطا، ولم تبت الشهادة بسكره على قولين: أحدهما - وهو المشهور - أنه يحلف ولا يلزمه النكاح، روى ذلك زياد عن مالك وقاله مالك في المبسوط أيضا، ومثله المريض يطلق ثم يدعي أنه لم