عندي مثل هبته، قال: وإذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا القوم، فإن ذلك لا يجوز أيضا على حال، قال: وإذا أبت عتق عبيده في مرضه جاز ذلك عليه؛ لأنه لو صح مضى ذلك عليه وهو بحال عتقه في صحته، فكل ما أعتق السكران فما له فيه الرجوع مثل الوصية، فلا يجوز، وكل ما أعتق مما ليس له فيه الرجوع فذلك جائز عليه، قال: وهو الذي آخذ به والله أعلم، رجع سحنون بالعتبي في وصية السكران وقال: أرى وصيته جائزة، ما أوصى فيها من عتق أو وصايا لقوم أو غيره، لا يكون أسوأ حالا عندي من الصبي والسفيه، وذلك أن وصيتهما جائزة. فالسكران عندي أولى أن تجوز وصيته.
قال محمد بن رشد: السكران ينقسم على قسمين: سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، وسكران مختلط، معه بقية من عقله، إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه، فيخطئ ويصيب، فأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأقواله فيما بينه وبين الناس وفيما بينه وبين الله، إلا فيما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنها لا تسقط، بخلاف المجنون؛ من أجل أنه لما أدخل السكر على نفسه فكأنه قد تعمد تركها حتى خرج وقتها، وأما السكران المختلط الذي معه بقية من عقله، فاختلف أهل العلم في أقواله وأفعاله على أربعة أقوال: أحدها أنه في حكم المجنون الذي القلم عنه في الشرع مرفوع، فلا يحد في زنى ولا سرقة ولا قذف، ولا يقتص منه في قتل، ولا يلزمه عتق ولا طلاق ولا بيع ولا شراء ولا شيء من الأشياء، وهو قول أبي يوسف، وإياه اختار الطحاوي، واحتج له بما روي عن عثمان بن عفان أنه قال: ليس للمجنون ولا للسكران طلاق، وهو قول محمد بن عبد الحكم من أصحاب مالك، أن طلاق السكران لا يجوز، والثاني أنه في حكم الصحيح الذي ليس بسكران يلزمه ما يلزمه، لأن معه بقيه من عقله يدخل به في جملة المكلفين