قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم محض القياس، وقول أصبغ نهاية الورع، وقد مضى في رسم تسلف من سماع ابن القاسم ما يدل على توجيه كل واحد من القولين.
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم قال في الديارات: وما يباع منها إذا باعها أسقف الكنيسة في خراجها وفي مرمة الكنيسة، وإنها حبست تلك الأرض في صلاحها إنه لا يباع منها شيء ولا يجوز شراؤه لمسلم، ولا يجوز لهم في أحباسهم التي يحبسونها على وجه التقرب إلا ما يجوز للمسلمين في أحباسهم، قال أصبغ مثله في المسلم لا يشتريه على حال نحو التي فوقها، قال: ولا يحكم حكم المسلمين في منع بيعها ولا رده ولا الأمر به، ولا إنفاذ حبسها ولا جوازه ولا أرى أن يسعه ذلك.
قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية للرجل أن يشتري من أسقف أهل بلدة الصلح الديارات المحبسة على إصلاح الكنائس إذا باعها في مرمتها أو في خراجهم خلاف ما مضى من قوله في رسم النسمة من سماع عيسى، والوجه في ذلك أنه لو تنازع فيها الذي حبسها والأسقف، فأراد الذي حبسها أن لا تباع تلك الديارات بغير اختيار محبسها وتبقى موقوفة على ما حبسها عليه من أن تكون غلتها في إصلاح الكنيسة، وأراد الأسقف أن يبيعها في إصلاح الكنيسة أو فيما لزمهم من الخراج وتحاكموا في ذلك إلى حكم المسلمين ورضوا بحكمه لكان الواجب عليه إن اختار أن يحكم بينهم بحكم المسلمين الذي هو أن لا تباع الديارات بغير اختيار محبسها إذ لم يطلق ذلك فيها، وإنما أراد أن تكون موقوفة لا تباع، وهذا معنى قول ابن القاسم لا يجوز لهم في أحباسهم التي يحبسونها على وجه التقرب إلا ما يجوز للمسلمين في أحباسهم؛ لأن المحبس لها لو أراد أن يرجع فيما حبس على الكنيسة لما جاز