ابن حبيب في الواضحة عن مالك، أنه كان يوسع لمن عليه دين أن يغزو إذا خلف وفاء من دينه، أو أذن له غرماؤه بالخروج، وإن لم يدع وفاء من دينه، فظاهر قوله أنه ليس عليه أن يستأذن غريمه، إلا إذا لم يدع وفاء وهو بعيد.
ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم: وكره مالك أن يقول الرجل للرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه، فلا يدري ما يبلغ من الثمن حتى يوقت له ثمنا، قال سحنون أراه جائزا وليس له معنى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تكلم عليها ابن لبابة في منتخبه فقال: فيها الكراهة لمالك، والتعليل بجهل مبلغ الثمن لابن القاسم، وتعليل ابن القاسم ليس بشيء؛ لأن من وكل رجلا أن يشتري له سلعة بعينها، أو مسماة بغير عينها، ولم يسم له ما يشتريها به، فاشتراها له بما يشبه من الثمن لزمه، وكراهة مالك صحيحة بينة على مذهبهم؛ لأنه استأجره على ابتياع الفرس بحمله عليه، فإن كان بتله له، فقد أوجبه له في أجرته قبل أن يملكه، ولا يجوز لأحد أن يبيع ما ليس في ملكه، ولا أن يستأجر به، وإن كان لم يبتله له وإنما أعطاه ركوبه، دخله مع ذلك أيضا الغرر، إذ لا أمد للركوب؛ هذا معنى قول ابن لبابة دون لفظه، وليس قوله - عندي - بصحيح؛ بل لا وجه للكراهة إلا ما عللت به من الجهل بمبلغ الثمن، وهي كراهة ضعيفة؛ ولذلك أجاز سحنون المسألة ولم ير لكراهيتها معنى، وبيان هذا أن الفرس لم يأمر الرجل أن يشتريه له، - أعني الأمر إذا لم يقل له اشتر لي هذا الفرس وأحملك عليه، وإنما قال: اشتر هذا الفرس وأحملك عليه، فإنما أمره أن يشتريه للسبيل ويحمله عليه، فهو بنفس الشراء يجب للسبيل