يقبلون، دليل على أنه قد كان منهم من يقبل ذلك؛ وهذا في أهل الغناء، منهم: من كره ذلك ورأى الغزو بماله أعظم لثوابه، ومنهم من لم ير بأسا أن يقبل ما أعطي من غير مسألة؛ فإن احتاج إليه أنفقه، وإن استغنى عنه فرقه في السبيل؛ وأما الضعيف الفقير فقبول ما أعطي من غير مسألة أفضل بإجماع، لما في ذلك من إعلاء كلمة الله بالقوة على الجهاد في سبيل الله.
مسألة وسأل رجل مالكا فقال له: إن علي ألفا وستمائة درهم لناس (شتى، في أقطار الأرض، منهم من قد مات، وله ورثة، ومنهم من هو حي، ومنهم من قد مات - ولا أعرف له ورثة؛ والذي لهم علي يختلف، منهم من له المائة درهم، والخمسون، والألف، وأقل من ذلك وأكثر؛ وهم في بلدان شتى، وقد عجزت عنه، وطلبت فيه نحوا من ثلاثين سنة) . فلم أقو على أدائها، ولم أرزق شيئا، فأحببت أن أخرج إلى المصيصة فأجاهد بها، فإن يدركني بها موت، فأحب المواضع إلي؛ وإن أرزق بها شيئا قضيت بها ديني؟ قال مالك: ما أرى بأسا، وأمره أن يفعل ذلك، وأن يخرج إليها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الذي عليه الدين، إذا كان عديما، فله أن يغزو بغير إذن الذي له عليه الدين؛ إذ لا منفعة للذي له عليه الدين في تركه الغزو، وقد يرزق في الغزو ما يودي به الدين عن نفسه، ففي الغزو منفعة له ولصاحب الدين، وأما من عليه دين وهو مليء فلا يجوز له أن يغزو بغير إذن صاحب الدين، إلا أن يكون الدين الذي عليه لم يحل بعد، فيوكل من يقضيه عنه عند حلوله، قاله سحنون في كتاب ابنه، وحكى