وقبض الفاطميون عليه وهو يهّم بالهرب إلى بلاد النوبة، تفرق عنه بنو قرة، فتركهم الفاطميون وشأنهم، فعادوا - أوعاد كثير منهم - إلى مساكنهم بالبحيرة، وعاودوا الشغب، وأحسوا من جانب الدولة تراخياً، فوثبوا على الإسكندرية وما حولها، واستولوا عليها. ولما زاد شغبهم، هاجمهم الفاطميون في عام 442هـ، فاعتصموا بالجيزة، وأوقعوا بالجيش الفاطمي الهزيمة في باديء الأمر، فعظم الأمر على الخليفة المستنصر بالله، فأوعز إلى جموع من سنبس طيء وكلب لمحاربة بني قرة وأمدهم بجنود من الفاطميين، فتعقبوا بني قرة، إلى البحيرة، وانهزم بنو قرة بعد قتال عنيف في عام 443هـ. ورأى الفاطميون أن يطردوا بني قرة من مساكنهم بالبحيرة، فنقلوا إليها سنبس، وربما أراد الفاطميون بهذه النقلة أن يكافئوا جماعات سبنس على موقفهم في محاربة بني قرة، ولا سيما وقد كانت سنبس غير مستقرة تماما في مواطنها بفلسطين والداروم قريباً من غزة. ويظهر أن بني قرة قد انسحبوا إلى الصعيد وربما كانوا هم الذين سكنوا قرية في مديرية أسيوط تحمل اسمهم إلى يومنا هذا. أما عصر الأيوبيين فقد كان عصر بطولات مثّل فيها العرب دوراً هاماً في الدفاع عن البلاد العربية ضد الصليبين، وكانت في جيش صلاح الدين عشائر من العرب، تحالفت لقتال الإفرنج. وكان لقبائل طيء، التي لمع اسمها في أيام الفاطميين، فضل كبير في محاربة الصليبيين، فأراد صلاح الدين أن يكافئهم، فنقل منهم جرماً وثعلبة، إلى الحوف الشرقي، وأسكنهم مساحات واسعة في أرض جذام، في الجانب الشمالي الشرقي من الحوف، وانحسر الجذاميون عن هذا الجانب، ومن المستبعد أن يكونوا قد انتقلوا بجموعهم إلى المناطق الداخلية من الحوف لأنها - فيما نظن - لم تكن تتسع لسكنى هذه الجموع من ناحية، ولأنهم تعودوا حياة الأطراف، من ناحية أخرى. ومن المحتمل أنهم اتجهوا إلى صحارى مصر. وعلى أي حال، فإن الأحداث المتكررة التي هزّت الجذاميين في خلال العصور السابقة، وفي هذه المرحلة، قد جعلت ظلّهم يتقلص في الحوف الشرقي، فصارت مساكن جذام تكاد تقتصر على الجانب الغربي من