بدأ التفكير في هجرة العدنانيين " أي القيسية " إلى مصر، منذ أن وليها عبد العزيز ابن مروان، فقد عبر هو عن ذلك في كلمة قالها مرة يخاطب أباه: " يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي ". ولم يكن في مصر، حينئذ، من القيسية إلا جماعات قليلة. ولقد كان بعض الولاة الذين حكموا مصر في عصر بني امية، ينتمون إلى القيسية، مثل قرة بني شريك " 90 - 96هـ " وعبد الملك بن رفاعة الفهمي " 96 - 99هـ، 109هـ " ومن الجائز أن يكونوا قد أقدموا معهم إلى مصر جماعات قيسية. ومع ذلك لم يكن القيسية، إلى ذلك الحين، بالقدر الذي يكفي لإحداث التكافؤ أو التوازن القبلي بين العنصرين الرئيسين اللذين تتألف منهما المجموعة العربية كلها أعني عنصري سبأ وقيس أو قحطان وعدنان كما يسمونهما. فإلى ذلك الحين، ظل أعقاب سبأ يمثلون الغالبية من عرب مصر، حتى قام عبيد الله بن الحبحاب، عامل الخراج في مصر في زمن خلافة هشام بن عبد الملك " 105 - 125هـ "، وكان عبيد الله من موالي قبيلة سلول القيسية، فطلب إلى الخليفة هشام أن يأذن له في تسيير جماعات من قيس إلى مصر، فأذن له في إلحاق ثلاثة آلاف منهم وتحويل ديوانهم إلى مصر، على ألا ينزلوا بالفسطاط. فبعث ابن الحبحاب إلى بوادي نجد يستحث أفواجاً منهم للهجرة - وقد حدث هذا في فترات تقع بين سنتي 109، 114هـ - وأنزلهم في بلبيس، واستمرت أفواجهم تترى إلى ما بعد زمن الحبحاب، إذ نجد منهم قبائل قيسية تتوافد على مصر في ولاية الحوثرة بن سهيل الباهلي " وباهلة من قيس " الذي ولى مصر سنة 128هـ. وفي سنة 153هـ أحصى عددهم فوجدوا 5200 أهل بيت صغيراً وكبيراً.

ولم يكن تشجيع القيسية الذي أقرته سياسة الدولة، على هذه الصورة، وليد صدفة واتفاق، وإنما كان في الغالب مدفوعاً بعوامل أهمها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015