الباب الثاني (*)
القبائل العربية في أقليم مصر " في العصر الجاهلي " " المرحلة الإعدادية "
ليس في مقدور الباحث أن يعين عددا من الموجات التي دفعت بها بلاد العرب إلى مصر، في العصور الفرعونية، فإن تحديد هذه الهجرات وحصرها في تلك الفترة السحيقة في القدم، أمر عسير المنال إذا عرفنا أن تاريخ مصر القديمة، على الرغم مما وصل إليه العلماء من تقدم في دراسته، لا يزال ينتظر كشوفاً تجلي بعض غوامضه. ومع هذا فلا مجال للشك في أن طريق سيناء كانت قنطرة ثابتة مفتوحة للهجرات العربية الى مصر منذ القدم، ونحن نعلم أن هذه القنطرة تصل بين شمال بلاد العرب ووادي النيل الخصيب، وأن التباين في الثروة والغنى بين شمال بلاد العرب والمنطقة الواقعة إلى جانب من سيناء، وهي فقيرة مجدبة، وبين ذلك القطر الغني بزراعته المعروف بعظم خصوبته منذ فجر التاريخ، كان عاملاً هاماً لاجتذاب البدو إلى مصر. ومن هنا ندرك لماذا أقام قدماء المصريين حصونا قوية متتابعة على حدود الدلتا الشرقية. ولا أدل على أن تأثير الساميين أي العرب في مصر، في تلك العصور، كان فعالا، من أن اللغة المصرية القديمة لا تزال مثار خلاف بين العلماء، أهي سامية أم حامية أم مزيج بين العنصرين. من الأمثلة التي أنتهت إلينا عن هجرة العرب أو الساميين إلى مصر، في تلك العصور، نلاحظ أن منها هجرات سلمية " يؤخذ فيها رأي حاكم مصر، وما كانت تتم إلا بموافقته، ومثل تلك الهجرات السلمية البسيطة كانت تحدث باستمرار أيام قوة مصر وهيبة حكامها ... ويعطي ما سبيرو مثلا لهذا، هو صورة من مقابر بني حسن تمثل عدداً من هؤلاء البدو يقدمون لفرعون مصر القرابين ليسمح لهم بالسكنى في وادي النيل ". وقد أذن فرعون لبعض قبائل إدوم - وهي سامية - في الإقامة شرقي الدلتا. وورد في سفر التكوين في قصة يوسف أن فرعون قد منح يوسف عليه السلام سلطاناً على مصر، وأن يوسف دعا أباه للسكنى في أرض جوشن وهي مقاطعة مصرية تقع شرقي الدلتا. كذلك تحدثنا الكتب المقدسة عن هجرة الكنعانيين واليهود إلى مصر.