جذام: لدينا وثيقة تاريخية أوردها القلقشندي في صبح الأعشى، وهي مكاتبة بعث بها سلطان البرنو " في السودان الغربي " إلى سلطان المماليك في مصر، يشكو فيها اجتياح أعراب " جذام وغيرهم " بلاده، وإفسادهم فيها، ويطلب إلى السلطان المملوكي أن يتعقبهم في مصر، وأن يقبض عليهم، ويوقع بهم أشد العقاب. ويظهر أن هذه الجماعات - أو بعضها - قد تدفقوا شرقا، حوالي سنة 794هـ - 1391م حتى بلغوا شمالي دارفور وقضوا على حكم الزغاوة هناك. وقد ذكرنا فيما سبق أن طوائف من الجذاميين وقرنائهم اللخميين، قد أبعدوا عن مساكنهم في عهود الفاطميين والأيوبيين، ولعلهم اتخذوا أطراف مصر موطناً لهم، ولا سيما الأطراف الغربية، فترة من الزمان، وكانت هذه الأطراف منذ القرن السادس الهجري، مسرحاً لحركات الهلالين وأحلافهم عقب الغزوات التي شنوها على شمالي إفريقية، وربما أنضم الجذاميون وجماعتهم إلى الهلالين هؤلاء، ثم تدفقوا على السودان الغربي، ومنه إلى دارفور، وأحدثوا من القلاقل ما دعا سلطان البرنو إلى أن يفزع إلى سلطان المماليك في مصر. على أننا لا نحد أسم جذام، في القبائل التي تعيش اليوم في السودان. ومن الجائز أن جذاما وأحلافهم من لخم وغيرهم قد اندمجوا في قبائل البقارة والكبابيش الذين يمثلون الغالبية من العرب في غرب السودان في الوقت الحاضر. والبقارة والكبابيش ينتسبون اليوم إلى جهينة، ولكنهم في واقع الأمر أحلاف تجمعت على فترات، وتألفت من بطون عدة، لعل أهمها جذام وجهينة والهوارة وبنو هلال وأحلاف هؤلاء وأولئك من فزارة وسليم ولخم وبلى وغيرهم. ومن الجائز أن بعض هذه البطون قد نزحت من بلاد المغرب، من الطريق الليبي، عقب الغزوات الهلالية لشمال إفريقية، ولكن مما لا شك فيه أن أكثر هذه الجماعات المتحالفة، قد سلكت في هجرتها إلى السودان طريق وادي النيل. وهذا هو ما رجحه ما كما يكل. والبقارة ليس في الأصل اسم علم على قبيلة عربية قديمة، ولكنه وصف يدل على المهنة، فمعناه رعاة البقر، ولعلهم وصفوا بذلك لتمييزهم - في المهنة - عن جيرانهم في الشمال من رعاة الإبل " الكبابيش ". والبقارة يسكنون دارفور وكردفان، والكبابيش معظمهم في كردفان. وينتسب البقارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015