وألف من الهجرة: تلقيت كتاباً من الشام ومعه رسالة، ولما فتحت الكتاب وجدته من بعض الذين اجتمعت بهم في الشام وحصل البحث بيني وبينهم في هذه المسائل التي أشرت إليها، يقولون لي فيه: "قد أرسلنا إليك بهذه الرسالة كي ترد عليها إن كان عندك جواب" فعرفت من كتابهم هذا وتحديهم لي فيه بطلب الجواب عن تلك الرسالة: أنهم قد استعظموها في نفوسهم، معتقدين أنها الغاية القصوى في فصل الخصام بيني وبينهم في هذه المسائل التي دار فيها البحث.
فلما اطلعت على هذه الرسالة المذكورة إذا هي لرجل من المعاصرين من أهل الشام يسمى "الحاج مختار بن الحاج أحمد باشا المؤيد العظمي" وهذا من الأسماء المقلوبة فحقها أن تسمى "حالك الظلام، بالافتراء على أئمة الإسلام" لأنها تنادي على جهل مؤلفها ومن أرسل بها إلينا لأنها بضاعة مزجاة تلقي من تروج عنده في هوة سحيقة لا ترجى لمن يقع فيها النجاة. فإنه يقرر فيها عبادة غير الله تعالى، واتباع غير رسوله صلى الله عليه وسلم ويرد فيها على جميع علماء أهل السنة المعاصرين له ومن تقدمهم من الأئمة المجتهدين المتبعين لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المقتدين بسلف الأمة وأئمتها، فقد ضل هذا الملحد سبيلهم فصار يتخبط في ظلمات الجهل والتقليد الأعمى، وقد جمع في رسالته هذه من الخلط والتناقض وتحريف الكلم عن مواضعه شيئاً كثيراً مما سنجيب عليه في محله إن شاء الله تعالى.
ومن عجيب أمرالحاج مختار هذا: دعواه انه من جملة المقلدين، ثم هو يفسر القرآن برأيه ويقول: إن الله ألقاه في روعه. ولم يره في كلام أحد من المفسرين (?) ، تراه يدعي الاجتهاد المطلق، وينسى تقليده لمن ابتدعوا في الدين من الذين نقل عنهم ما ظهر فيه كذبهم من الادعاءات، وما لفقوه من الشبه الباطلة الزائفة حيث عفت أنوار الحنيفية على ما لهذه الشبه من معالم وأطلال وأزهق باطلها علماء أهل السنة المحققون في سائر الأجيال.