...
أشركوهم مع الله تعالى في توحيد الربوبية. فقالوا: إنهم يعلمون الغيب، ويتصرفون مع الله تعالى في تدبير ملكه، وغير هذا من العقائد الباطلة التي لم يسبقهم إليها عبدة الأصنام في الجاهلية الأولى وهذا هو محل الخلاف، بل مثار العداوة بيننا وبين هذا الملحد ومن قلدهم من سادته وكبرائه الضلال، دعاة الشرك في عبادة الله تعالى ومن سلك سبيلهم، ممن جعلوا مع الله آلهة أخرى يدعون ويرجون لجلب الخير وكشف الضر من دون الله تعالى. لا ما أورده من هذه الآيات التي يقول فيها: "أما هو الذي قال الله له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء، الآية:107] إلى آخر الآيات التي يقول فيها: أما هو؟ أما هو؟ لأجل المغالطة وتضليل الجهلة. فهذه الآيات كلها في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وما شرفه الله تعالى به على جميع خلقه من الأمر بطاعته وإتّباع أمره. فمن لم يؤمن بها قولاً وعملاً واعتقاداً، فليس هو بمسلم، فضلاً عن الإيمان. ولكنها لا تجعل الرسول صلى الله عليه وسلم شريكاً لله تعالى في عبادته، يدعى ويرجى من دون الله تعالى، كما يدعو إليه هذا الملحد بغباوة عقله الوثنية، بل هو عبد الله ورسوله وكفى له بهذا شرفاً، عليه أفضل الصلاة والسلام والتسليم. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم آنفاً: "يا أيها الناس، قولوا بقولكم هذا، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال له: "ما شاء الله وشئت أجعلتني لله نداً؟ قال: ما شاء الله وحده" ففي هذه الآيات والأحاديث- التي قدمنا- ما يشفي ويكفي لطالب الحق في هذه المسألة التي هي تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فهذه الشهادة هي أصل أصول الإسلام والإيمان. على تحقيقها تنبني جميع الأحكام التي أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ومن دون تحقيقها وما تستلزمه من توحيد لله تعالى في جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، مع تجريد الإتباع لرسوله الكريم ونبيه- الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم- في جميع ما أمر، والانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر، وتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين فلا إسلام ولا إيمان لمن لم يحقق