مع أشباه ذلك من الأخبار؟ وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذين خص به القتيل في سبيل الله مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة، وسائر الكافر والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ. أما الكافر فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعّمون بالروح والريحان ونسيم الجنان؟ قيل: إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمه الله أحداً غيرهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي لضلهم وخصهم بها عن غيرهم. والفائدة التي أفاد المؤمنين عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران، الآيتان:169-170] وبمثل الذي قلنا جاء الخبر عن رسول الله صلى عليه وسلم: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة بكرة وعشياً" حدثنا أبو كريب قال: حدثنا جابر بن نوح عن الأفريقي عن ابن باشر السلمي- أو أبي بشار، شك أو جعفر- قال: "أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة، في كل قبة زوجتان، رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس: ثور وحوت، فأما الثور ففيه طعم كل ثمرة في الجنة. وأما الحوت: ففيه طعم كل شراب في الجنة" فإن قال قائل: فإن الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكره، أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصهم بها في البرزخ غيره موجود في قوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} [البقرة، الآية:154] وإنما فيه الخبر عن حالهم أموات هم أم أحيا؟ قيل: إن المقصود بذكر الخبر عن حياتهم: إنما هو الخبر عما هم فيه من النعمة، ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده عما خص