...
وهذا القول من هذا الضال طعن فيما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم من القرون المفضلة. فإنهم كانوا على مذهب واحد، لا يعرفون إماماً غير رسول الله، ولا يدينون بغير ما جاءهم به من كتاب ربهم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ممتثلين لأوامرهما، واقفين عند حدودهما. مضى على ذلك أصحاب رسول الله ومن تبعهم من القرون المفضلة، مجتهدين في استخراج الأحكام من هذين النورين: كتاب الله تعالى وسنة رسوله المطهرة، ملتزمين أثر هذا النبي الكريم، لا يعرفون متبوعاً غيره في جميع أقواله وأفعاله، مضوا على ذلك وهم في عز وسعة، وجماعة محكمة. لا فرقة فيها مجاهدين في سبيل الله تعالى وفي حفظ دينه عن كل معاند ومنافق، أو مخالف لسبيل المؤمنين، مبتدع في الدين، أحمق مشاقق، حتى بلغ الدين في عصرهم أعلى ذروة المجد والسؤدد، ففتحوا الأقطار، ومصروا الأمصار، وخضعت لهم رقاب الجبابرة. فدخل في هذا الدين – الذي هو على مذهب واحد – جميع الأقطار التي فتحوها، فلم يشكوا من دينهم حرجاً ولا إهمالاً ولا فوضى، كما زعمه الحاج مختار الجاهل الأحمق. وبعد هذا خلف خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فرقوا الدين وجعلوا أهله شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون، نصبوا أئمة من عند أنفسهم جعلوهم في مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في وجوب الإتباع، وألفوا كتباً نسبوها مذاهب لهؤلاء الأئمة بغير رضاهم، زعموا أنها تغني عن الكتاب والسنة والرد إليهما. فرفعوا هؤلاء الأئمة من مقام الإرشاد إلى مقام الرسالة في وجوب إتباعهم، وتركوا الكتاب والسنة ومن جاء بهما نسياً منسياً، ومنعوا الرد إليها في حال الاختلاف. وأقاموا النكير على من رد عند التنازع إليهما، وأخرجوه من الإسلام وقالوا عنه: إنه صاحب مذهب خامس، فقد استحكم الغلو في أمر التقليد في هذه الأزمان المتأخرة حتى انطمست فيها أكثر معالم الدين، ولولا