...
فصل
وممن نص على ذلك: الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في أول كتابه "الحاوي الكبير" فقال عند سياق قول المزني السابق ما نصه:
فإن قيل: فلم نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره، وتقليده جائز لمن استفتاه من العامة؟
قيل: التقليد مختلف باختلاف أحوال الناس بما فيهم من آلة الاجتهاد المؤدي إليه وعدمه. لأن طلب العلم من فروض الكفاية ولو منع جميع الناس من التقليد وكلفوا الاجتهاد لتعين فرض العلم على الكافة وفي هذا اختلال نظام وفساد. ولو كان يجمعهم التقليد لبطل الاجتهاد وسقط فرض العلم وفي هذا تعطيل الشريعة وذهاب العلم فلذلك وجب الاجتهاد على من تقع بع الكفاية ليكون الباقون تبعاً ومقلدين. قال الله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة، الآية: 122] فلم يسقط الاجتهاد عن جميعهم ولا أمر به كافتهم. هذا كلام الماوردي بحروفه.