تقليده وتقليد غيره، هذا أحسن ما أول به هذا الكلام وانظروا رحمكم الله إلى قوله: "لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه" أي: ليسترشد بذلك إلى الحق. قال الماوردي في الحاوي: وقوله "ويحتاط لنفسه" أي ليطلب الاحتياط لنفسه بالاجتهاد في المذاهب، وترك التقليد بطلب الدلالة.
قال أبو شامة: فعلى هذا كان السلف الصالح يتبعون الصواب حيث كان، ويجتهدون في طلبه، وينهون عن التقليد – ثم ذكر المؤلف كلاماً طويلاً ونقلاً عن بعض الأئمة إلى أن قال:
وقال الدمنهوري من أصحابنا في أول كتاب "الإرشاد": لا ينتفع إلا من رفع عن قلبه حجاب التقليد، فإنه سبب لحرمان كل خير وسائق لكل عواقة، بل أكثر ما أوقع الخلق في الكفر والنفاق منه، كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف، الآية: 23] ولما قالت لهم رسلهم: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف، الآية: 24] وذلك إنما هو من ربط الجهل على قلوبهم، وربط التقليد على أفهامهم، حتى لا يتدبروا ما يقال لهم، ويستنكفوا عمن يرشدهم، لظنهم الفاسد أنه لا يمكن أن يكون المتأخر أفضل من المتقدم. ويعتقدون أن ذلك عندهم من قبيل المستحيل، ولم يعلموا أن مواهب الله تعالى لا تنقطع، وفيض جوده لا ينفد، وإنما حرم ذلك من حرمه، إما لفساد طبعه وخلل في عقله أو لعدم تدبره وتفهمه لما بينه الله تعالى من الآيات الواضحة، والدلائل الرجحة، وإلا فكل من له طبع سليم، وفهم مستقيم، إذا رفع عن قلبه حجاب التقليد، وادرع جلباب الاجتهاد والتجريد، وتعرض لنفحات ربه أفاض بجوده عليه التأبيد والتسديد، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت، الآية: 69] .
وقال ابن القيم الجوزية في كتاب "ذم التقليد": قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور، وأخبر: "أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" ومن المعلوم بالضرورة أن ما عليه هؤلاء – من التقليد الذي يترك له كتاب الله وسنة