المسلك الثاني: أن يقال: أتحيلون الخطأ على مقلدكم أم تجوزونه؟ فإن جوزتموه فأنتم شاكون في صحة مذهبكم، وإن أحلتموه فبم عرفتم استحالته؟ أبضرورة، أم بنظر أم بتقليد؟ ولا ضرورة ولا دليل، فإن قلدتموه في قوله: إن مذهبه حق، فبم عرفتم صدقه في تصديق نفسه؟ وإن قلدتم غيره، فبم عرفتم صدق المقلد الآخر؟ وإن عولتم على سكون النفس إلى قوله: فبم تفرقون بين سكون نفوسكم وسكون نفوس النصارى واليهود؟ وبم تفرقون بين قول مقلدكم: إني صادق محق وبين قول مخالفيكم، ويقال لهم أيضاً في إيجاب التقليد: هل تعلمون وجوب التقليد أم لا؟ فإن لم تعلموا فلم قلدتم؟ وإن علمتم فبضرورة أو نظر أو تقليد؟ ويعود عليهم السؤال في التقليد، ولا سبيل لهم إلى النظر والدليل، فلا يبقى إلا إيجاب التقليد بالتحكيم.

فإن قيل: عرفنا صحته بأنه مذهب الأكثرين، فهو أولى الاتباع قلنا: وبم أنكرتم على من يقول: الحق دقيق غامض، لا يدركه إلا الأقلون، ويعجز عنه الأكثرون؟ لأنه يحتاج إلى شروط كثيرة من الممارسة والتفرغ للنظر واتقاد القريحة، والخلو عن الشواغل ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم كان محقاً في ابتداء أمره، وهو في شرذمة يسيرة على خلاف الأكثرين. وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام، الآية:116] كيف وعدد الكفار في زماننا أكثر؟ ثم يلزمكم أن تتوقفوا حتى تدوروا في جميع العالم وتعدوا جميع المخالفين. كيف وهو على خلاف نص القرآن. قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} [سبأ، الآية:13] ، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون، الآية:70] قال ولهم شبه:

الأولى: أن النظر مفروض في شبهات، وقد كثر ضلال الناظرين فترك الخطر وطلب السلامة أولى. قلنا: وقد كثر ضلال المقلدين من اليهود والنصارى فبم تفرقون بين تقليدكم وتقليد سائر الكفار؟ قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة. ثم يقال: إذا وجبت المعرفة كان التقليد جهلاً وضلالاً. فكأنكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015