قال: نعم. أبطل التقليد، وإن قال: حكمت فيه بغير حجة، قيل له: فلم أرقت الدماء، وأبحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟ قال الله عز وجل: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس، الآية: 68] أي من حجة بهذا. فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت، وإن لم أعرف الحجة لأني قلدت كبيراً من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت علي. قيل له: إذا جاز لك تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك فتقليد معلم معلمك أولى، لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك، فإن قال: نعم، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى، حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبى ذلك نقض قوله. وقيل له: كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علماً ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علماً؟ وهذا متناقض. فإن قال: لأن معلمي – وإن كان أصغر- فقد جمع علم مت فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ، وأعلم بما ترك. قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك، وعلم من هو فوقه إلى علمه فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك، فإن أعاد قوله: فقد جعل الأصغر-وما يحدث من صغار العلماء- أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع. والتابع من دونه في قياس قوله والأعلى للأدنى أبداً، وكفى بقول يؤول إلى هذا قبحاً وفساداً. هذا كلام المزني.
قال ابن عبد البر: وقد اتفق العلماء على أن المقلد لا علم له ولا يسمى عالماً ولم يختلفوا في ذلك، ومن هنا قال البحتري:
عرف العالمون فضلك بالعـ ... ـلم وقال الجهال بالتقليد
إلى أن قال:
وقال القاضي عبد الوهاب –أحد أئمة المالكية- في أول كتابه " المقدمات