وإن شهد الشهود بحق، فحكم الحاكم بشهادتهم واستوفى ذلك الحق، ثم فسق الشهود. لم يؤثر الفسق، سواء كان ذلك الحق لله تعالى أو للآدمي؛ لأن الحق قد استوفى والفسق ظهر بعد استيفاء الحق، فيجوز أن يكونوا فساقا حال الشهادة، ويجوز أن يكونوا عدولا، وقد استوفى الحق ونفذ فلا ينقض بأمر محتمل.
وإن فسق الشهود بعد الحكم وقبل استيفاء الحق، فإن كان الحق له تعالى كحد الزنى والسرقة والشرب.. لم يستوف؛ لأنها تسقط بالشبهة، والفسق يوقع شكا في حال الشهادة.
وإن كان الحق لآدمي.. نظرت: فإن كان حقا لا يسقط بالشبهة؛ كالمال والنكاح.. فله استيفاؤه؛ لأن الحكم قد نفذ فلا ينقض بأمر محتمل. وإن كان مما يسقط بالشبهة، كالحد والقصاص.. ففيه وجهان - حكاهما ابن الصباغ -:
أحدهما - ولم يذكر الشيخ أبو إسحاق غيره -: أنه لا يجوز استيفاؤه؛ لأن ذلك ما يسقط بالشبهة، والفسق شبهة، فلم يجز استيفاؤه بعد فسق الشهود، كحد الزنى.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره -: أن له استيفاؤه؛ لأنه حق لآدمي فلم يمنع فسق الشهود بعد الحكم به من استيفائه كالديون.
وإذا حكم الحاكم بشهادة رجلين، ثم بان أنهما عبدان أو كافران.. فإنه ينقض حكم نفسه وينقضه غيره؛ لأنه إنما حكم بشهادة من يعتقدهما حرين مسلمين، فأما إذا بانا عبدين أو كافرين.. فقد تحقق أنه حكم بشهادة من لا يجوز الحكم بشهادته فنقضه، كما لو حكم بحكم ثم وجد النص بخلافه.
فإن قيل: كيف ينقض حكم من حكم بشهادة عبدين وقد ذهب إلى جواز شهادة العبيد بعض السلف؟ قلنا: عنه جوابان: