أباك اغتصبنيها؟ فتهيأ الكندي لليمين، فلم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سؤال الحضرمي للكندي أن يحلف على نفي علمه» . فدل على: أن حكم اليمين على نفي فعل الغير هكذا. ولأن الإنسان يمكنه الإحاطة بما فعل وبما لم يفعل؛ فلذلك كلف أن يحلف على فعل نفسه على البت والقطع في الإثبات والنفي، ويمكنه التوصل إلى العلم بما فعل غيره فكلف اليمين فيه على الإثبات على البت، ولم يتوصل إلى العلم بما لم يفعل غيره فلم يكلف اليمين فيه على الإثبات.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (فإن حلف بعض الحكام على القطع واليقين فيما يحتاج أن يحلف فيه على نفي العلم.. جاز ذلك، وينصرف ذلك إلى الاستحلاف على نفي العلم دون القطع واليقين) .
فرع: [ادعى أن له على أبيه دينا أو له على رجل دينا وقال المدعى عليه قد أبرأتني منه] : وإن ادعى رجل على رجل أن له على أبيه دينا.. لم تسمع دعواه عليه إلا بعد أن يدعي موت أبيه، وأن في يده تركة له، وأنه يستحق ذلك الحق فيها؛ لأنه إذا لم يكن في يده تركة لأبيه.. لم يلزمه قضاء الدين من مال نفسه. فإن أنكر المدعى عليه موت أبيه.. فالقول قوله مع يمينه، ويحلف على نفي العلم. وقال ابن القاص: يحلف على القطع؛ لأنه يمكنه الإحاطة بذلك. والأول أصح؛ لأنها يمين على نفي فعل الغير.
فإن أنكر أن التركة في يده.. حلف أنه ما وصل إليه ما فيه وفاء بالدين ولا ببعضه. ولا يلزمه أن يحلف: ما خلف أبوه شيئا؛ لأنه قد يخلف شيئا ولم يصل إليه.
فإن ادعى رجل على رجل دينا، فقال المدعى عليه: قد أبرأتني من الدين.. فقد أقر بالدين عليه؛ لأن دعواه البراءة تتضمن ثبوت الدين عليه، فإن أقام بينة على البراءة.. برئ، وإن لم يقم بينة.. فالقول قول من له الدين مع يمينه؛ لأن الأصل عدم البراءة.