فتصيب الحجر فتقع الحجر المصابة على الإنسان فتقتله، فيكون قد أصابه بسبب فعله. وأما قوله: (ولا وصل إلي شيء من بدنه) يعني: أنه لم يسقه سما، فمات منه. وأما قوله: (ولا أحدثت شيئا مات منه) يعني: أنه لم يحفر بئرا في طريق الناس أو ينصب له سكينا، فيموت منه بذلك.
فإن قيل: فعندكم لا تصح الدعوى في القتل إلا مفسرة أنها عمد أو خطأ أو عمد خطأ، فتكون يمين المدعى عليه على نفي ما ادعي عليه من ذلك.. فلم يذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أنه يحلف على نفي جميع الأسباب، فيكون نافيا لقتل العمد والخطأ وعمد الخطأ؟ فاختلف أصحابنا في الجواب:
فمنهم من قال: إنما صور الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هذا في الدعوى إذا كانت لصغير أو مجنون أو سفيه.. فإن الحاكم يستظهر له في اليمين على المدعى عليه كذلك، فأما إذا كانت الدعوى لمن لا ولاية للحاكم عليه.. فإنه لا يحلفه إلا على نفي دعواه عليه. وقال أبو إسحاق: ما ذكره الشافعي هاهنا يدل على قول آخر له: (أن الدعوى تصح في القتل مطلقة ومقيدة) . ووجهه: أن الدعوى في ذلك تكون بالظن دون العلم والمشاهدة.
فعلى هذا: إن كانت الدعوى مقيدة.. لم يحلف المدعى عليه إلا على نفي ما ادعاه المدعي. وإن كانت الدعوى مطلقة.. فإن الحاكم يحلفه على نفي جميع أنواع القتل على ما مضى. قال أصحابنا: وهذا خلاف المذهب.
وإن كان الحالف يهوديا.. فإنه يستحب أن يغلظ عليه في يمينه باللفظ، فيقول: والله الذي أنزل التوراة على موسى وأنجاه من الغرق؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلف يهوديا فقال له: "قل: والله الذي أنزل التوراة على موسى: ما له عليك حق» .