قال في " الأم ": (وإن ادعى رجل دابة، وأقام بينة أنها ملكه منذ عشر سنين، فنظر الحاكم إلى الدابة فإذا لها سنتان.. لم يحكم للمدعي بالدابة؛ لأنه بان كذب بينته فيما شهدت به؛ لأن الدابة التي لها سنتان لا يجوز أن تكون ملكه منذ عشر سنين) .
وإن كان في يد رجل عين وادعاها آخر وأقام بينة أنها له منذ سنة، وأقام صاحب اليد بينة أنها في يده منذ سنتين.. قدمت بينة الخارج؛ لأنها تشهد بالملك، وبينة الآخر تشهد باليد، والملك مقدم على اليد.
إذا كانت عين في يد رجل، فجاء زيد فادعاها وأقام عليها بينة، فحكم له بها وسلمت إليه، ثم جاء عمرو فادعاها وأقام عليها بينة.. قال أبو العباس: فقد تعارضت البينتان، فإن قلنا: تسقطان.. كان كما لو لم يكن بينة.
وإن قلنا: تستعملان.. فهل يحتاج زيد إلى إقامة بينة ليعارض بها بينة عمرو؟ يبنى على القولين في البينتين إذا كانت إحداهما تشهد في ملك متقدم: فإن قلنا: إن التي شهدت بالملك المتقدم تقدم على الأخرى.. لم يحتج زيد إلى إعادة بينة؛ لأنها ثابتة له في الحال وفيما قبل، فيكون كما لو أقامها في الحال. وإن قلنا: إن البينة التي شهدت بالملك المتقدم تساوي البينة الأخرى.. فهل يحتاج زيد إلى إعادة بينته؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يحتاج إلى إعادتها - وبه قال أبو حنيفة - لأنها قد أثبتت الملك له يوم الشهادة، والأصل بقاء ذلك الملك إلى أن يعلم خلافه.
والثاني: يحتاج إلى إعادة بينته؛ لأن حكم التعارض في الملك في الحال، وبينة زيد لم تشهد له بالملك في الحال، وإنما شهدت له بالملك في وقت متقدم، فلا بد أن يثبت له الملك في الحال؛ لتعارض البينة التي شهدت لعمرو بالملك في الحال.