وإن ادعى رجل على امرأة نكاحا.. فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا تسمع دعواه حتى يقول: نكحتها بولي، وشاهدي عدل، ورضاها) . فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه:
فـ[الأول] : منهم من قال: لا يجب ذكر ذلك في الدعوى، وما ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.. فإنه ذكره على طريق الاستحباب - وبه قال مالك وأبو حنيفة - كما يستحب له أن يمتحن الشهود إذا ارتاب بهم؛ لأنها دعوى ملك، فلم يفتقر إلى ذكر سببه، كدعوى المال، ولأنه لما لم يفتقر في الدعوى في النكاح إلى أنها خالية من العدة والإحرام والردة.. لم يفتقر إلى ذكر الولي والشاهدين ورضاهما؛ لأن الجميع شرط في صحة النكاح.
و [الثاني] : منهم من قال: يجب ذكر ذلك في دعوى النكاح - وبه قال أحمد - لأن الناس مختلفون في شروط النكاح، فمنهم من شرط الولي والشهود، ومنهم من شرط الولي دون الشهود، ومنهم من لم يشرط الولي والشهود، فلم يكن بد من ذكر الشرائط التي وقع عليها ذكر العقد؛ لئلا يكون النكاح وقع على جهة يعتقد الحاكم بطلانها. ولأن النكاح يحصل فيه الوطء ولا يمكن تلافيه إذا وقع، فكان كالقتل لا بد من ذكر سببه في الدعوى.
و [الثالث] : منهم من قال: إن كان يدعي عقد النكاح.. وجب ذكر هذه الأسباب؛ لأنها شرط في العقد. وإن كان لا يدعي العقد وإنما يدعي استدامة النكاح؛ بأن يقول: هي زوجتي.. لم يجب ذكر هذه الأسباب في الدعوى؛ لأن هذه الشرائط لا تشترط في استدامة النكاح، ولأن استدامة النكاح ثبتت بالاستفاضة، والعقد لا يثبت بالاستفاضة.