وإن قال: أبرأته عن أرش هذه الجناية وأرش ما يحدث منها، فإن قلنا: إن حكم الإبراء حكم الوصية.. كان على قولين، كما لو كان بلفظ الوصية، وإن قلنا: إن حكم الإبراء ليس كالوصية.. صحت البراءة في دية الإصبع؛ لأنه إبراء عنها بعد الوجوب، ولم تصح البراءة فيما زاد على دية الإصبع؛ لأنه إبراء عنها قبل الوجوب. هكذا ذكر الشيخان: أبو حامد، وأبو إسحاق.
وقال ابن الصباغ: في صحة براءته من أرش ما زاد على دية الإصبع قولان، من غير بناء على حكم الوصية:
أحدهما: لا تصح البراءة؛ لأنه إبراء عما لم يجب، فأشبه إذا عفا عما يتولد من الجناية، فسرت إلى الكف.
والثاني: تصح؛ لأن الجناية على الطرف جناية على النفس؛ لأن النفس لا تباشر بالجناية، وإنما يجنى على أطرافها، فإذا عفا بعد الجناية عليها.. صح، ويفارق الكف؛ لأن الجناية على الإصبع ليس بجناية على النفس؛ لأنه يباشر بالجناية، فإذا قلنا: يصح.. بني على القولين في الوصية للقاتل على ما مضى.
لو قطع يدي رجل عمداً، فبرئت اليدان، فقطع المجني عليه إحدى يدي الجاني، وعفا عن الأخرى على الدية، وقبضها، ثم انتقضت يد المجني عليه ومات.. لم يكن لورثته القصاص؛ لأنه مات من جراحتين إحداهما لا قصاص فيها وهي المعفو عنها، ولا يستحق شيئاً من الدية؛ لأنه قد استوفى نصف الدية وما قيمته نصف الدية.
وإن لم يمت المجني عليه، ولكن الجاني انتقضت عليه يده، ومات.. لم يرجع ورثته على المجني عليه بشيء؛ لأن القصاص لا تضمن سرايته.