ولا تلزم الهبة إلا بالقبض: فإذا وهب لغيره عينا.. فالواهب بالخيار: إن شاء أقبض الموهوب له، وإن شاء لم يقبضه. وبه قال الثوري وأبو حنيفة.
وقال مالك: (تلزم الهبة بالإيجاب والقول من غير قبض، فإن امتنع الواهب من الإقباض.. رفعه الموهوب له إلى الحاكم، ليجبره على الإقباض) ، كما قال في الرهن، وقال: (إذا أعار الرجل داره شهرًا.. فقد لزم المعير ذلك، وليس له أن يرجع في العارية قبل انقضاء الشهر) .
دليلنا: ما روي: (أن أبا بكر نحل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جداد عشرين وسقًا من ماله، فلما حضرته الوفاة.. قال: يا بنية، ما أحد أحب إلي منك ولا أعز علي فقدًا منك) . وفي رواية: (ما أحد أحب إلي غنى منك، ولا أعز علي فقرًا منك، وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقًا من مالي، ووددت أنك جذذته وحزته وقبضته، وإنما هو اليوم مال الوارث، وإنما هم أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، فقالت: لو كان كذا وكذا - تعني: أكثر - لتركته، أما أخواي.. فنعم، وأما أختاي.. فما لي إلا واحدة: أسماء، فمن الأخرى؟! فقال: إنه قد ألقي في روعي - وفي رواية: أن روح القدس نفث في روعي - أن في بطن بنت خارجة جارية، وكانت زوجة أبي بكر بنت خارجة حاملًا فولدت جارية) .
قال: و (الروع) ـ بضم الراء ـ: الذهن، وـ بفتحها ـ: الزيادة.
ووجه الدلالة من الخبر: أنه كان وهبها في صحته، وإنما لم يقبضها حتى مرض، والإقباض في مرض الموت كالعطية، والعطية للوارث لا تصح.
وقيل: إن الذي كان نحلها ثمرة نخل.