والأول أصح؛ لأنه تمليك في حال الحياة، فكان القبول فيه على الفور، كالبيع. هذا نقل البغداديين من أصحابنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال المسعودي [في " الإبانة " ق\353] : الهدية لا تفتقر إلى القبول.
وقال ابن الصباغ: لا تفتقر الهبة والهدية وصدقة التطوع إلى الإيجاب والقبول، بل إذا وجد منه ما يدل على التمليك.. صح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يهدى إليه، فيقبضه، ويتصرف فيه، ولم ينقل في شيء من ذلك أن الرسول أوجب له، ولا أنه قبل. وكذلك: (أهدى إلى النجاشي وكان في أرض الحبشة) . وما نقل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالإيجاب والقبول. وكذلك الناس يدفعون صدقات التطوع فيقبضها المدفوع إليهم، ويتصرفون فيها من غير إيجاب وقبول، ولم ينكر هذا منكر، فدل على أنه إجماع.
فإن قيل: فهذه إباحات مال؟ فالجواب: أن الناس أجمعوا على تسمية ذلك هبة، وهدية، وصدقة، ولأن الإباحة تختص بالمباح له، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أهدي إليه شيء.. يهديه إلى زوجاته وغيرهن، وقد أهديت له حلة، فأهداها لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
والمذهب الأول.