وأمناء، ومؤذنين، وسدنة، وموقدين وغيرهم من المتصرفين مائة وتسعة وخمسون شخصا. ويوقد من البخور ليلة الختمة أربع أواق من العنبر الأشهب وثماني أواق من العود الرَّطب.
ومن ذلك: بنيان قنطرة على نهر قرطبة الأعظم. ابتدأ المنصور بنيانها سنة 387، وفرغ منها في النصف من سنة 89؛ وانتهت النفقة عليها إلى مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار؛ فعظمت بها المنفعة، وصارت صدرا في مناقبه الجليلة. وكانت قطعة أرض لشيخ من العامة، ولم يكن للقنطرة عدول عنها؛ فأمر المنصور أمناءه بإرضائه فيها؛ فحضر الشيخ عندهم، وأخذ حذره منهم؛ فساوموه بالقطعة وعرفوه وجه الحاجة إليها، وأن المنصور لا يريد إلا إنصافه فيها. فرماهم الشيخ بالغرض الأقصى عنده فيما ظنه ألا تخرج عنه بأقل من عشرة دنانير ذهبا، كانت عنده أقصى الأمنية، وشرطها صحاحا. فاغتنم الأمناء غفلته، ونقدوه الثمن، وأشهدوا عليه؛ ثم أخبروا المنصور بخبره؛ فضحك من جهالته، وأنف من غبنه، وأمر أن يعطى عشرة أمثال ما سأل، وتدفع له صحاحا كما قال. فقبض الشيخ مائة دينار ذهبا؛ فكاد أن يخرج عن عقله وأن يجن عند قبضها من الفرح؛ وجاء محتفلا في شكر المنصور. وصارت قصته خبرا سائرا.
ومن ذلك أيضا: بنيان قنطرة على نهر إستجة، وهو نهر شنيل؛ فتجشم لها أعظم مؤنة. وسهل الطرق الوعرة والشعاب الصعبة.
ومن ذلك: إنه خط بيده مصحفا كان يحمله معه في أسفاره، يدرس فيه ويتبرك به. ومن قوة رجائه، إنه اعتنى بجمع ما علق بوجهه من الغبار في غزواته ومواطن جهاده؛ فكان الخدم يأخذونه عنه بالمناديل في كل منزل من منازله، حتى اجتمع له منه صرة ضخمة عهد بتصييره في حنوطه عند موته؛ وكان يحمله حيث ما سار مع أكفانه، توقعا لحلول منيته؛ وقد كان اتخذ الأكفان من أطيب مكسبه من الضيعة الموروثة عن أبيه، وغزل بناته. وكان يسأل الله تعالى أن يتوفاه في طريق الجهاد؛ فكان كذلك.