عامر عند وداعه: (سيظهر لك بهذا الفتح اسم عظيم وذكر جليل، يشغلهم السرور به عن الخوض فيما تحدثه من قصة. فإياك أن تخرج عن الدار حتى تعزل ابن جعفر عن المدينة وتتقلدها دونه!) فاعتقد محمد ذلك.
وخاطب غالب الخليفة هشاما بحسن مناب ابن أبي عامر في هذه الغزوة، ونسب السعي والاجتهاد إليه، وشكره، وشدَّ عضده عند الخليفة؛ وعاد محمد ابن أبي عامر إلى حضرة قرطبة منصرفا بالسبي والغنائم. فاستمال محمد بهذا الفتح قلوب العامة والخاصة، وتعرفوا فيه يمن النقيبة؛ فبعد صيته، وهان عليه أمر جعفر وغيره، وشرع في هدمه. فخرج أمر الخليفة يوم وروده بصرف محمد بن جعفر بن عثمان عن المدينة وتقليدها ابن أبي عامر. فخرج محمد نحو كرسيها في هذا اليوم، والخلع عليه، ولا عند جعفر علم بذلك؛ وكان محمد بن جعفر جالسا في مجلسها في أبهة، إذ صعد ابن أبي عامر نحوه؛ فولي محمد بن جعفر ناكصا على عقبه، وأتبع بدايته.
وملك ابن أبي عامر الباب بولاية الشرطة؛ والجيش يقوده له؛ والدار بعناية الحرم به؛ فملك على جعفر بذلك وجوه الحيلة، وخلاه، وليس في يده من الأمر إلا أقلخ. فضبط محمد المدينة ضبطا أنسى أهل الحضرة من سلف من أفراد الكفاة وأولى السياسة، وقد كانوا قبله في بلاء عظيم، يتحارسون الليل كله، ويكايدون من روعات طراقه ما لا يكابد أهل الثغور من العدو. فكشف الله ذلك عنهم بمحمد بن أبي عامر وكفايته، وتنزهه عما كان ينسب لابن جعفر. فسد باب الشفاعات، وقمع أهل الفسق والذعارات، حتى ارتفع البأس، وأمن الناس، وأمنت عادية المتجرمين من حاشية السلطان؛ حتى لقد عثر على ابن عم له يعرف بعسقلاجة؛ فاستحضره في مجلس الشرطة وجلده جلدا مبرحا كان فيه حمامه؛ فانقمع الشرُّ في أيامه جملة. واستخلف ابن أبي عامر على