مسرعا حين وافاه الخبر، ولم يلو على ما تعذر، ومحلة عبد الغافر على وادي قيس قد ملأت السهل والوعر. فداخل الإمام عبد الرحمن البربر؛ وكانوا العدد الوافر الأكبر؛ فنزع الأكثر منهم إليه، وصاروا في حزبه ولدبه. ووقعت الهزيمة على عبد الغافر، وأخذ من معه في الفرار والنفار؛ فلم يرفع الإمام عنهم سيفا، وقتل منهم ثلاثين ألفا. وكانت هزيمة هي مدّ الدهر مذكورة، والحفرة التي جمعت رؤوسهم بذلك المكان مشهورة. ومن (كتاب بهجة النفس) قال: لما كان في النيل، تسرع عبد القادر إلى ناحية لقنت؛ وأسرع الأمير القتل في جملته. ولم يذكر عددا.
وثار على الأمير عبد الرحمن حبوة من ملامس، وتغلب على إشبيلية وإسنجة وأكثر الغرب، وحشد جموعا؛ فخرج إليه الأمير، وقاتله أياما، حتى همّ الأمير بالهزيمة. ثم إن حبوة انهزم ومضى إلى ناحية فريش، وكتب راغبا في العفو.
وفي سنة 146، ثار العلاءبن مغيث الجذامي بباجة، ودعا إلى طاعة أبي جعفر المنصور ونشر الأعلام السود؛ فاتبعه الأجناد، وتطلعه العباد، إلى أن كادت دولة الأمير أن تنصرم، وخلافته أن تنخرم. فخرج إليه من قرطبة، وصار بقرمونة؛ فتحصن بها مع مواليه وثقات رجاله؛ فنازله العلاء بن مغيث منازلة شديدة، وحاصره بها أياما عديدة؛ فلما طال الحصار هنالك، وتخلخل عسكر العلاء لذلك، وعلم عبد الرحمن ما هم عليه من الانزعاج، وأنهم قد هموا بالإلجام والإسراج، أمر بنار، فأوقدت، ثم أمر بأغمدة سيوف أصحابه، فأحرقت؛ وقال لهم: (اخرجوا معي لهذه الجموع، خروج من لا يحدث نفسه بالرجوع!) وكانوا نحو سبعمائة مفحصين إلى أعاديهم. فدارت الحرب بينهم طويلا، إلى أن صنع الله جميلا؛ وزلزل قوم العلاء وأصحابه، فولوا منهزمين، وصار أمرهم