وفي سنة 140، تودع الأمير عبد الرحمن بقرطبة؛ فلم تكن له فيها حركة. ودخل رجال من المشرق ومن بني أمية في هذه السنة؛ فأنزلهم الأمير، وأكرمهم، وأحسن جوائزهم.
وفي سنة 141، هرب الفهري من قرطبة، ناكثا، ناقضا للأيمان بعد توكيدها؛ فاجتمع إليه الناس، وبلغ جمعه عشرين ألفا من البربر وغيرهم. فلما رأى كثرة ما اجتمع له، تحرك من ماردة، يريد الأمير عبد الرحمن. فلما بلغ الأمير خبره، برز من القصر، وتقدم إلى المدور. وكان عبد الملك بن عمر المرواني عاملا بإشبيلية، وابنه بكورة مورور؛ فحشدا من كان قبلهما من أهل الكورتين، وتوافى الحشدان؛ فبرز به. واتصل بالفهري خروج الأمير إلى المدور وتوافى الحشود على عبد الملك؛ فتوقع الفهري التشبك بين العسكرين؛ فصرف راياته إلى عبد الملك؛ فالتقيا، ووقعت بينهما حرب شديدة؛ فانهزم يوسف، وتفرق أصحابه عنه، وأتبعوا بالقتل. واتصل الفتح بعبد الرحمن، وهو بالمدور منتظرا لتوافي الحشود؛ فأغناه عاجل الفتح؛ وفر الفهري بنفسه مختفيا.
وفي سنة 142، كان هلاك يوسف الفهري ومقتله بناحية طليطلة؛ وكان قد نهض إليها، وتردد بناحيتها شهورا؛ فاغتاله بعض أصحابه، وقتله، واحتز رأسه، وتقدم به إلى الأمير عبد الرحمن؛ فشكر الله على موته، وأمر بنصب رأسه على جسر قرطبة، وأمر بقتل ابنه المرتهن، ونصب رأسه مع رأس أبيه. وتوفي الصميل في الحبس؛ وقيل إنه خنق؛ وقيل إن الذي قتل الفهري عبد الله ابن عمرو الأنصاري، لقيه على أميال من طليطلة، بقرية من قراها. فلما عرفه، قال لمن معه: (هذا الفهري! وفي قتله الراحة له ومنه!) فتقدم إليه؛ فقتله، واحتز رأسه، وتقدم به إلى الأمير. فلما قرب من قرطبة، وأعلم الأمير بخبره، أمر أن يتوقف به دون القنطرة، وأمر بقتل ابنه المرتهن، وأخرج رأسه إلى رأس أبيه؛ ووضعا في قناتين، وتقدم بهما إلى باب القصر.