وأعتق مماليكه، وأعطى فقهاء القيروان ووجوه أهلها أموالا عظيمة ليفرقوها على الضعفاء والمساكين فاستوكلت وأعطيت من لا يستحقها وأنفقت في اللذات. وصرفت في الشهوات. وقدِم ولده أبو العباس من صقلية مستدعي فأسلم إليه أبوه الملك، فولي أبو العباس على الكور من أحب.
كان مولده يوم الأضحى سنة 261، وتوفي يوم الاثنين لثلاث عشر ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة المؤرخة بأرض الروم وسيق ميتا إلى جزيرة صقلية، فدفن بها بعد ثلاثة وأربعين يوما من موته. وكان عمره اثنين وخمسين سنة ومدة ولايته ثمانية وعشرين سنة وستة أشهر واثنتي عشرة يوما. وأقام في أول ولايته سبعة أعوام على ما كان أسلافه من حسن السيرة وحميد الأفعال، ثم تغيرت أحواله، وأخذ في جمع الأموال. ثم صار في كل سنة يزداد تغيرا وسوء حال. ثم اشتد نكاده، فأخذ في قتل أصحابه وحجابه حتى إنه قتل ابنه المكنى بأبي الأغلب، وقتل بناته وأتي بأمور لم يأت بها أحد غيره. وكان كثير الملل، شديد الحسد. وكانت له في بدء أمره سيرة حسنة، وأفعال محمودة، ثم غلب عليه خلط سوداوي، فتغير وساءت أخلاقه كما ذكرنا. فقيل إنه افتقد منديلا صغيرا كان يمسح به فمه، وكان سقط من يد بعض جواريه فأصابه خادم له، فقتل بسبه ثلاثمائة خادم. وكان سبب قتله لولده ظن منه به، فضربت رقبته بين يديه صبرا. وقتل أخزته ثمانية: ضربت أعناقهم بين يديه. وكانت أمه إذا ولدت له ابنة أخفتها وربتها، لئلا يقتلها حتى اجتمع عندها منهن ست عشرة جارية، كأنهن البدور، فقالت له